بقلم: عبد المنعم سبعي
في تدبير المؤسسات الجامعية وتسييرها، لا تباع الروح دائما لاستثمار المؤهلات والطاقات بشغف جديد، وإذا ما أسعف الحظ إحدى المؤسسات وكان على رأسها قامة علمية سامقة بهامة الحكماء، فذلك من باب اكتشاف الباحث لمخطوط نادر يفك لغز مادة علمية كانت مجهولة لقرون، فأضاءت عتمة من الخواء الفكري أقلقت بال الباحثين لأزمنة طويلة، أو لنقل بتشبيه أبلغ كمن يكتشف وثائق قديمة بالصدفة تثبت ملكيته على كنز من العقار تخرج صاحبها من فاقة متجدرة. هو ذا حال أغلب مكونات جامعة محمد الأول بوجدة مع الدكتور ياسين زغلول منذ تعيينه رئيسا لها، من الحكمة والتروي عند السيد الرئيس منازعة دائمة لتلمس الحلول ونبذ الخلافات، منهجية ترى أن التفوق والابتكار والانخراط في الحركة العلمية المتوهجة لا تقوم في المركز وحده أو في الغرب وحده أو بالوسائل الضخمة وحدها، لهذا يبدو مقتنعا أنه بفضل ما تزخر به جامعة وجدة من طاقات علمية وما هو كامن فيها من جينات الإبداع، قادرة على التألق وطنيا ودوليا.
يكاد السيد ياسين زغلول يقنعنا بأن النجاح في تسيير مؤسسة علمية من حجم جامعة محمد الأول لا يكون حقيقيا إلا إذا كان إيمانا بأن لغة التميز في المجال العلمي والابتكار، بسيطة لا تحتاج إلى الوصفات المتخمة بالتكلف، وربما قد خبر هذا الأمر منذ تعيينه أستاذا لمادة الجيولوجيا سنة 1997، واحتكاكه بالزملاء الأساتذة والباحثين، وما تلا ذلك من مناصب وتتويجات بنياشين الاستحقاقات في مجال تخصصه، والذي يرى حرص السيد ياسين على اصطياد جامعته للألقاب والجوائز قد يعتقد أنه جاء إلى رئاسة الجامعة بدون ماض، والعكس هو الصحيح. والماضي هنا تحدده سيرته الذاتية وشهادات رفاقه في الدرب العلمي. فما أن مرت سوى أربع سنوات على تعيينه بكلية العلوم حتى بدأ نجم السيد زغلول يسطع في سماء البحث العلمي الرصين، وهكذا حصل على الجائزة الوطنية للبحث العلمي عام 2001، وفي عام 2004 توج بجائزة المؤتمر الجيولوجي العربي، فضلا عن اختياره من طرف المعهد المغربي للإعلام العلمي والتقني من بين أفضل 10 باحثين مغاربة ما بين عامي 2010 و 2014.
سيعرف السيد رئيس جامعة محمد الأول التي ارتبط بها ارتباطا عقائديا، بعد مسار علمي شاق وحافل، أن الخطوة الأولى لا ترسم بالضرورة بفرح المستقبل، عندما سيكتشف أن الولادة العلمية للجامعة التي في خاطره ولادة دائمة، وقد تكون أصعب من أناشيد الحماس ودغدغة العواطف. لذلك سيراهن على منصبه الجديد سنة 2014 عندما عين مديرا للمدرسة العليا للتكنولوجيا، من أجل وضع التصورات والمشاريع القمينة بإعادة جامعة محمد الأول إلى توهجها وتألقها. وعندما نتحدث عن هذه الفترة بالذات سيرتبط السيد ياسين بأطر وازنة شاركته نفس الهم وتقاسمت معه نفس الرؤى، وسيعتمد عليها أيضا منذ يناير 2020 في تدبير مرفق رئاسة الجامعة.
لا ينظر السي ياسين أو هكذا نعتقد إلى الحياة العلمية الماضية كما ينظر متفرج إلى سطح البحر وهو يخال أنه يرى آثار مركبة اختفت وعادت بلا أثر، إنه حاد الذاكرة، لكن يجب ألا يخدعنا ذلك في أن نجعله سجين الماضي العلمي وذكرياته، فهو يتجدد بما يمليه تطور البحث العلمي ومجتمع المعرفة التي تدورعجلته بسرعة فائقة. وستتضح لا حقا شراسته في الدفاع عن ضرورة انخراط الجامعة المغربية في التكنولوجيات الحديثة، وهذا ما توج جامعة محمد الأول بجائزة أفضل جامعة إفريقية في مجال الذكاء الاصطناعي، خلال المعرض الدولي للذكاء الاصطناعي، الذي احتضنته مدينة « كان » الفرنسية، أيام 9 و10 و11 فبراير 2023.
ونعتقد بغير قليل من الجزم أن السيد زغلول لا يستحم من النهر مرتين وأن الجزر التي قد تبدأ في الظهور وسط بحر الأيام ليست مرافئ لصنع جيل جديد من الجامعات المغربية، لذلك عقب هذا التتويج العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي، سيصرح السيد رئيس جامعة وجدة لأحد المواقع الوطنية بما يلي: ( ما زلنا مقتنعين بأن هذه التكنولوجيات والقضايا الاجتماعية أيضا، يجب اغتنامها لمواجهة التحديات، وتثبيت مكانتنا في عالم التحول التكنولوجي من أجل مستقبل أفضل). ولعل هذه الرؤية الثاقبة هي التي ساهمت في صناعة اللقب الناجح لهذا الرئيس الذي ربما يضع نصب عينيه تلك الخارطة التي بسطها الوزير أمزازي في حفل تنصيب السيد زغلول في بداية سنة 2020 فقد ذكر السيد أمزازي الحاضرين بخصال ياسين زغلول وعرج على مشروعه الطموح وركز على المحاور الكبرى التي تضطلع بها الجامعة المغربية فقال: (إن هذا التعيين جاء ليتوج مسارا أكاديميا ومهنيا متميزا لزغلول، وأيضا كمصادقة على مشروعه الطموح الرامي لتطوير جامعة محمد الأول والاستفادة من الكفاءات التي تزخر بها، مع الأخذ بعين الاعتبار التحديات الحالية والرهانات المستقبلية والدور الرائد الذي يتعين أن تضطلع به الجامعة المغربية في مجال التكوين والتأطير والبحث والابتكار والشراكة.)، ولعل أغلب تدخلات رئيس الجامعة على مدى حوالي ثلاث سنوات ونصف الماضية كانت تصب في هذه المحاور الرئيسية وتستحضر فقرات مشروعه، فأثمرت كل هذا الزخم من الألقاب والشراكات والتتويجات، بالرغم من قصر المدة وتفشي جائحة كورونا مع بداية فترته التي أبلى فيها البلاء الحسن.
المتتبع لمسارات الحضور المتميز لجامعة محمد الأول على عهد ياسين زغلول سيدرك أنها لم تخطئ أيا من مواعد المرجل الثقافي والعلمي والاجتماعي، لذلك سيأتي تصنيف مجلة “يو إس نيوز آند وورلد ريبورت” الأمريكية، واضعا جامعة محمد الأول بوجدة الأولى وطنيا والرابعة عشرة إفريقيا لسنة 2021، وسيزور وفد أمريكي جامعة وجدة بعد اختيارها كأول جامعة في القارة الافريقية تختارها مؤسسة أمريكية في تنزيل مشروع يجمع بين تدريس الطب والتكنولوجيا، وستصنف الاولى وطنيا في مجال الفزياء والثانية حسب تصنيف سيماغو بعد جامعة محمد الخامس بالرباط، فضلا عن العديد من المشاركات والأنشطة العلمية الوازنة في مناسبات مختلفة لا يمكن الوقوف عند كل واحدة منها، لكن المؤكد هو أنه طوال هذا المسار الغني بالعطاءات سيبقى الأسمنت المتماسك للسيد ياسين زغلول، هو إنسانيته وتسامحه وقدرته الخارقة على تذويب كل الخلافات وسيظهر هذا جليا من خلال تصريحات العديد من زملائه مباشرة بعد تعيينه حيث تنبأ معظمهم بعودة الروح إلى الجامعة، وفعلا عادت وعاد معها الإشعاع والتميز.