أحيانا يكتشف المغاربة تركتهم التي لم توص لهم كما يكتشف الفرد وثائق قديمة بالصدفة تثبت ملكيته على جزء من الأرض أو عقار ثمين، وهذه حال المغاربة مع السيد فوزي لقجع في تطوير كرة القدم الوطنية والافريقية، وإعادة البسمة لشفاه ملايين المغاربة إثر النجاحات التي تحققت على عهده، وإغاظة الحاقدين المندسين وراء الطهر الذي يلف الخبث، وحسن النوايا التي تغطي الدسائس والمكر. من المصلحة العليا للرياضة الإفريقية عند فوزي لقجع منازعة دائمة لإقامة علاقات تعاون مفيدة مع نظيراتها في القارة السمراء. رؤية تمتح تصورها من التوجيهات الملكية السديدة التي تدعو إلى تنمية شاملة للقارة الإفريقية تنبني على منطق تعاون جنوب جنوب، فالرياضة كما في السياسة والاقتصاد لا تقوم بالشمال وحده أو بالغرب وحده،أو بتنزيل التجارب الناجحة وحدها، بل هي رؤية تستند على وضع مقومات النجاح الجماعي للقارة الافريقية… لهذا يبدو أحيانا في نقده للمتخلفين مثل الدكتور “جيفاغو” ويبدو أحيانا أخرى كأبي موسى الأشعري لا يخلع صاحبه بالضرورة لكنه يغادره، في المناورات الجزائرية لضرب المصالح العليا للوطن تتضح قوته الموروثة من جبال بني يزناسن، وفي الدسائس الصغيرة يستثمر هدوءه، هو ذا رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم المهندس الذي أفقد نجاحه رشد أغلب الجزائريين كبيرهم وصغيرهم.
حين وقف فوزي لقجع بثبات من أجل تعديل البنود ذات الحساسية المفرطة في النظام الأساسي للجهاز الكروي القاري، وبالخصوص ربط الانخراط داخل ” الكاف ” بالعضوية داخل منظمة الأمم المتحدة، كما تمت المصادقة عليه أثناء الجمعية العمومية الثالثة والأربعين، المنعقدة بالرباط، بدا فعلا كمقاتل شرس استطاع أن يجر أعداءه إلى ميدانه، وتمكن من اسقاط الخصم بالضربة القاضية. تمكن لقجع وهو يستصدر هذا التعديل من إغلاق الباب بصفة نهائية في وجه الجمهورية الوهمية من الحلم بعضوية الكاف. لم يكن هذا التعديل كما يخاله البعض بالعادي الذي دأب أعضاء الجمعية العمومية على تمرير أمثاله، لأنه قرار رياضي بحمولة سياسية ينسجم مع الدينامية الجديدة لديبلوماسية المملكة المغربية التي وجهت لكمات مسترسلة لأعداء الوحدة الترابية، ومن يقتفي أثرهم أيضا. ما يعطي لهذه المحطة رمزية خاصة، هو كون القرار جاء بعيد نهاية عهد صديق المغرب أحمد أحمد، على رأس الكنفدرالية الإفريقية لكرة القدم، الذي عوضه الجنوب افريقي باتريس موتسيبي، وغير خاف على أي متتبع العداء البين الذي تشهره جنوب افريقيا في وجه كل قرار قد يعود بالنفع على المغرب ووحدته الترابية. لذلك كان هذا التعديل غير عادي، يؤشر على أننا أمام رئيس جامعة ملكية من طينة خاصة، وأن قراراته الرياضية نابعة من مرافعات سياسية بامتياز، ووطنية أكثر تشبه خميرة مغربية ضدا للقضاء على معاقل معاداة أمة اسمها المغرب، وليس بهذا تقريظ، فقد تكون الوطنية هي طينة الصدق الذي يحمي من الانهيار أمام عتاد العدو وقض الرجال. لكنها في زعمنا كانت عند السيد فوزي وصفة الحدس في قراءة مسارات قضية وطنية عليها إجماع وطني، وقد نذهب في التأويل إلى القول بأنها كانت نتيجة التجاور الجغرافي بين فضاء المولد والمنشأ وغرب البلد النشاز في رد الجميل والاعتراف بأفضال شرق المغرب وجبال يني يزناسن على الثورة الجزائرية. فالتقارب الجغرافي بين الفضاءين ألهم رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم وصفة السر في إخصاء العداء الجزائري، وصد تطلعاتهم القذرة، لأنه خبر أكثر من غيره طبيعتهم العدائية وسليقتهم التي جبلت على الشر بسبب عقدة إسمها المغرب.
سيكون من فقه الابتسار وباب التعجل أن نحصر لرئيس الجامعة الملكية لكرة القدم قياسا مبنيا على لغة الجغرافيا، وإن كان محددا لطبيعته وطريقة تعامله مع الجيران، لأن فوزي لقجع مهندس استطاع أن يسقط قواعد بناء البرهان المنطقي على مجال الرياضة وتدبير أمورها، ولذلك أيضا نجح في هندسة التحالفات، واختيار أنجع التوافقات في توزيع المناصب داخل الكاف. ولعلنا لن نجانب الصواب في هذا القياس إذا ما ادعينا أن الوطني المطمئن إلى جذوره والمعتز بانتمائه، يجد في نزاهته ونظافة يده رمزية لنجاح الثابت الوطني الدائم في صيرورة المغرب الأقصى، كما يجد فيه الهاتف بفضيلة الترفع عن الانزلاقات المالية وعزة النفس التي أبعدته عن الفساد الذي أسقط رؤوسا كانت تتقاسم معه التسيير داخل الكاف، فاسمه كان بعيدا عن تسريبات القاهرة، ولم تتداوله الألسن في سياق العمرة الشهيرة.
ولعله من باب الكناية المفرحة أن النجاح الحالي عند السيد فوزي لا زال بطراوة البداية عندما رق قلبه لنادي النهضة البركانية وتحركت في دواخله نيران الانتماء، والمقصود هنا هو هذا الاستمرار الدائم في قلب الكرة المغربية، لرجل شغف بالكرة وشغفت به النخب الرياضية، وظل بكل سلاسته الإنسانية التي رواها رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم قبل أي مسير كروي في المغرب، جذع المنافحات كما كان سقف التسويات. فهو هذا الرباط العقائدي الوثيق بمعشوقة الجماهير والعاملين في ميادينها، وهو أيضا تلك العلاقة المؤرقة مع بقايا الحرس القديم داخل الجامعة الملكية والعصب التابعة لها، ومن حاول اقتفاء أثرهم.
كان السيد فوزي لقجع أصغر رئيس للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم عندما انتخب رئيسا لها لأول مرة سنة 2014، وذلك في العرف الكرنولوجي لتلك المرحلة يعني بلوغ مرحلة متقدمة في هرم النخب المهيأة للتألق كما هي مهيأة للاندحار والتقهقر، ويبقى حجم العطاء وحكمة التدبير المحدد الحقيقي لهذا الاحتمال أو ذاك. لقد كان السي فوزي في اعتقادنا يؤمن بأن القوة الكامنة في الكرة المغربية قادرة على خلق التحول نحو الأفضل بفضل ما هو كامن فيها أيضا من مقومات الفرجة وقدرات الإبداع، ذلك ما يعن لنا عندما نستعرض أكبر المحطات التي مر منها مخطط لقجع للنهوض بالكرة المغربية، منها الوصول لنهائيات كأس العالم للمرة الثانية على التوالي، وتتويج الأندية الوطنية على المستوى القاري والعربي، ووصول الكرة النسوية لمونديال الهند، وهيكلة الأندية الوطنية، وتكوين الأطر، وتأهيل الملاعب الوطنية…وكان يعتقد أيضا أن القوة الفاعلة هي الحركة وليس السكون وهي العمل وليس الخمول، ولذا كان يرى أن روح الفوز تكتسب عن طريق التكوين وبتدخل من الأطر ذات الكفاءة العالية، ولذا أيضا عمل على تطوير كرة القدم القاعدية على مستوى الكتلة، ثم ممارسة كرة القدم بالقدر الممكن من الاحترافية، ولعلهما في تقديرنا مثالان دالان على مادة تفكيره، ولعلهما فضلا عن هذا مؤشران حقيقيان عن روعة الحصاد وبراعة الجني.