عبد الحفيط بوبكري
لقد ساد الاعتقاد منذ زمن بعيد عند الأهالي، وحتى عند الكثير من المهتمين والمختصين، أن آخر بقعة يمكن ان تشكو من نذرة المياه هي واحة فجيج، وهذا قد يبدو مبررا نظرا لما حظيت به هذه الواحة من عيون دفاقة تفرعت عنها السواقي الجارية في كل مكان، وامتلأت منها الصهاريج، وضمنت السقي المستمر للنخيل، ومختلف الاغراس، وبالتالي استمرار حياة الإنسان على هذه الربوع النائية من الجنوب الشرقي للبلاد،
ولحد الساعة، فقد بقي الأهالي يتعاملون مع الماء وكأنه نعمة لن تزول أبدا في يوم ما، وساءت عاداتهم في السقي والغسل وفي كل أسباب استعمال الماء التي لا زالت سمته الغالبة الهدر والتبذير للماء دون الشعور بالخطر .
والآن بعد ان طالت سنوات الجفاف والقحط في العديد من بلدان المعمور وضمنها المغرب طبعا، وخاصة المنطقة الشرقية التي تضررت اكثر من انحباس الأمطار، شرعت مختلف مصالح الدولة في تطبيق إجراءات ترشيد وتقنين استهلاك مياه الشرب والسقي في مختلف المناطق الوطنية دون استثناء، وكثرت خطب الوعظ والإرشاد حول أهمية الماء في الحياة، وضرورة الحفاظ عليه، وما دمنا نتحدث عما يهم واحة فجيج بخصوص ما يمكن أن نسميه الأمن المائي في المستقبل، ستكون البداية من خطبة عيد الأضحى التي ركز فيها الخطيب مشكورا على العادات غير السليمة في استعمال الماء والنهي عن تبذير هذه المادة الحيوية بجميع أشكاله.
هذا يبقى هو الدور المنوط بالوعاظ والذي لا يمكن أن يتعدى حدود التنبيه والتحذير، لكن يبقى على المختصين والمسؤولين محليا وإقليميا أن يضعوا الأصبع على الجرح الحقيقي الذي خرب الفرشة المائية لمدينة فجيج، حتى قبل أن تظهر آثار الجفاف التي زادت الوضع تعقيدا وخطورة والكلام هنا عن الاستمرار حتى هذه اللحظة دون مبالغة في حفر اثقاب البحث عن المياه لسقي الضيعات المحيطة بالواحة، أو حتى بعض البساتين داخل المدينة من دون حسيب ولا رقيب .فأين هي ما تسمونه بشرطة الماء؟ وأين هو المجلس المحلي للماء؟ وأين هي الجمعيات السلالية التي يدخل هذا الأمر في صلب اهتماماتها واختصاصاتها، ما دام هذا الخطر الداهم يهدد من دون شك عيون الملاك الأصلية التي تشكل القلب النابض للواحة مثل تزادرت، تاجمالت، وساقية سيدي صالح، ومغني ….إلخ .
وهنا نريد أن نقول بأن جميع السلطات المعنية بهذا الموضوع لا زالت تتعامل بنوع من التراخي حتى لا نقول التواطؤ غير المعلن مع حفار الأثقاب، إما بالترخيص لهم حيث لا يجب ذلك، أو التغاضي عنهم على حساب مستقبل الواحة.
ومن هذا المنبر، لايسعنا إلا أن نطلق نداء مدويا ومنذرا لكل أصحاب الضمائر الحية من فعاليات ومثقفي وأطر واحة وإقليم فجيج لكي يتعبأوا لإنقاذ واحة فجيج في أقرب وقت من هذا الاستنزاف الممنهج والطامة الكبرى لموارده المائية.
نريد من المصالح المعنية أن تتعامل مع هذه الظاهرة بحزم، والضرب بيد من حديد على كل المتلاعبين بمستقبل الواحة وأمنها المائي.