نورالدين زاوش
إن استقبال الرئيس التونسي، بشكل رسمي، لزعيم ميلشيات البوليساريو الانفصالية الذي لم يقو حتى على التداوي خارج الجزائر باسمه الحقيقي، لا يمكن إلا أن يُصنف ضمن خانة أعمال الحمقى الذين ضاعت منهم بوصلة المنطق والاتزان، وسلوكيات المجانين الذين ذهبت عقولهم أدراج الرياح.
فلو أن أبو الفرج بن الجوزي عاش في زماننا، لأورد بابا خاصا للمدعو “قيس سعيد” في كتابه “أخبار الحمقى والمغفلين”؛ بل وسيكون هذا الباب للقارئ أعظم متعة وأشد إثارة، فالرجل ليس “جحا” أو “هَبَ النَّقا” أو واحدا من عامة الناس؛ بل هو رئيس دولة لها كل مقومات الدولة؛ أو بالأحرى كان لها ذلك قبل أن يسقط كرسي الحكم على مؤخرة هذا الأهبل.
كان الله في عون الشعب التونسي الشقيق، فقد ابتلي بحكم رجل غير مؤهل للحكم تماما، رجل أهلك البلاد وأتعب العباد، ونسف الديمقراطية وحقوق الإنسان، وجعل عنق بلاده تحت شفرة عصابة الجزائر الحادة، والتي لا تأخذها رحمة بشعبها لتكون لها رحمة بشعب غيرها، عصابة لا تبقي ولا تذر، كل همها أن تخلد على كرسي الحكم حتى ولو ذبحت نصف الشعب الجزائري أو أكثر، وثلثي الشعب التونسي أو يزيد.
طبعا، لن يكون من اليسير أن يتخطى هذا الأهبل سلوكه الأرعن وغير المبرر، وليس من السهل أن يُجبر ضرره ويتخطى تداعياته أمام الدولة المغربية العريقة والشعب المغربي العظيم، فالثقة الكبيرة التي كان يمنحها المغرب لتونس قد مست في الصميم؛ والثقة كالرصاصة إذا انطلقت لا ترجع أبدا.
من ذا الذي ينسى تصريح الحسن الثاني رحمه الله بأن المغرب مستعد للتدخل عسكريا من أجل تونس، أو يتناسى دعم جلالة الملك محمد السادس لتونس حينما كان الإرهاب يُرعب أبناءها ويُقَطِّع أوصالها، حتى شوهد الملك حفظه الله تعالى وهو يتجول في شوارعها وأزقتها بكل أريحية وبدون حماية شخصية؛ دعما للسياحة ونشرا للأمن والأمان.
ولأن “قيس” الأهبل يؤمن باللغة العربية الفصحى حتى الثمالة، إلى درجة أنه يرى حل الأزمات الاقتصادية والسياسة التي تتخبط فيها بلاه في استعمال المصطلحات العربية العتيقة، والاستشهاد بشعر العتاهية وعنترة والفرزدق؛ أود أن أختم مقالي هذا برائعة العرب:
إذا كان الغرابُ دليلَ قومٍ *** مرَّ بهم على جِيَف الكلاب