أحمد الرمضاني
في سيناريو دنيء وبذيء وإخراج رديء، طلعت علينا مؤخرا القناة الرسمية الجزائرية بشريط يظهر فيه المواطن المغربي، المدعو عبد الغني شنة، الذي اعتقلته عناصر من الدرك الوطني الجزائري بجهة بشار، مع مجموعة من الاشخاص وصفوا بأنهم يقومون بتهريب المخدرات نحو ترابها، وهو يدلي بتصريح يتهم فيه أجهزة الأمن المغربي بضلوعها في الاتجار في المخدرات، ويعزو دواعي اقتحامه هذا المجال الاجرامي المحرم دوليا، إلى ما أسماه بظروفه الاجتماعية المزرية، لينتقل من متحدث بصفته “مواطنا بئيسا” ، وإن كانت ملامحه لا تعبر إطلاقا عن كونه يشكو ضنك العيش، ثم يسترسل في الكلام في ثوب “زعيم نقابي” أو “معارض سياسي”، ليخوض وهو الذي كشفت عائلته كما سيأتي من خلال تصريح بعض أفرادها، عن كون مستواه الدراسي جد بسيط، في مواضيع لا رابط بينها، ولا يستقيم توظيفها في سياق يجمع بين الحديث عن تهمة موضوعها تهريب المخدرات، التي اعتقل من أجلها، وبين تطبيع العلاقات المغربية مع إسرائيل، حين أشار في التصريح ذاته عن ” قمع السلطات المغربية المظاهرات المناهضة للتطبيع، واعتقال المشاركين فيها…”.
فمن يتابع الطريقة التي قدم بها هذا الشريط “البئيس” ، ويملك أدنى درجات الذكاء والفطنة لا يحتاج إلى بذل أي جهد لفك شفرات هذا المشهد المضحك، حيث يبدو المتهم معزولا في غرفة، لا توحي بتاتا أنه يقف أمام منبر إعلامي، يجيب فيها عن أسئلة مستجوبيه، بقدر ما يبدو فيه متحدثا بلسان “سجانيه” عن اتهامات من نسج خيال من يقفون وراء هذه ” المسرحية المفبركة”، التي تجاوزها الزمن، وتوهمات أنفسهم المريضة ونواياهم الخبيثة، على أنها – أي تلك المغالطات- أفعال على أرض الواقع تسعى… وهم لا يدركون أنهم بهذا السلوك الشاذ والمفضوح أساؤوا إلى أنفسهم، من حيث لا يشعرون، وقد صدق من قال ” يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله عدوه به”.
وإيمانا منا بشعار أن ” من الديموقراطية أن يعرف الرأي العام كل حدث” وأن المصداقية ميثاق غليظ يربط الجريدة بقرائها، قطع طاقم جريدة الحدث الشرقي مئات الكيلومترات ذهابا وإيابا من عاصمة الشرق المغربي وجدة، في اتجاه مدينة بوعرفة، في رحلة تروم الكشف عن الحقيقة والبرهان، ودحض الباطل والبهتان…
وبعد أزيد من ثلاث ساعات من السير حللنا ضيوفا عند أسرة المواطن المغربي الموقوف بتراب الجارة الشرقية، القاطنة على بعد حوالي 45 كلم غرب بوعرفة، وتحديدا بمنطقة “منكوب” التابعة لجماعة ” بني كيل” باقليم فجيج.
وتبعا لما نشرته وسائل الإعلام الجزائرية، بل وما روج له إعلام العسكر الجزائري، وقف طاقم الجريدة على حقيقة الأمر والوضع هناك، ليعاين عن قرب إقامة عائلة شنة في ضيعة فلاحية، هي مورد عيشها الرئيسي، و تتوفر على مقومات الحياة والإنتاج بها في حدود جد مقبولة، فهي مزودة بالطاقة الشمسية، وتتوفر على ثلاثة آبار، حيث الموارد المائية الجوفية بالجهة عموما متاحة على عمق لا يتجاوز 30 مترا، ما يمكن المنطقة، من التزود بهذه المادة الحيوية دون مشقة، ويملك أصحاب الضيعة قطيعا من الغنم والبقر والدواجن، ويستفيد من اكتفاء شبه ذاتي من الكلأ و العلف المخصص للماشية، بل وفي أحيان عديدة، يعرضون- حسب إفادة أحد المقربين من عائلة شنة- ما فاض عن الحاجة للبيع خلال فصلي الربيع و الصيف…، كل هذه المكاسب والحاجيات، فضلا عن استفادة العائلة باعتبارها تنشط في المجال الفلاحي، من امتيازات المخطط الاخضر، ثم من الدعم الذي تخصصه الدولة المغربية لساكنة العالم القروي، يضعها في موقع يضمن لها حياة كريمة.
وفي تصريحات مختلفة عبر أفراد من عائلة المغربي الموقوف، وتحديدا شقيقه الأكبر وشقيقته، عن مدى اندهاشهما من الشريط الذي ظهر فيه اخوهما عبد الغني شنة وهو يدلي بتصريح للقناة الرسمية الجزائرية، وينزهانه من أن يكون ما صدر عنه من اتهامات وأباطيل في حق وطنه ورجاله الأوفياء، جاء عن قناعة وطواعية منه، بقدر ما كانت تحت الضغط والاكراه…
وبكل عفوية وتلقائية كشف لخضر شنة عن كون عائلته كانت تجهل أصلا سبب غياب ابنها عبد الغني ” كنت أجهل سبب غيابه بجهة بركم و تندرارة.. إلى أن اطلعنا على الفيديو الذي لم نستوعب مضامينه، بحكم اننا غير متعلمين، وهو نفسه ‘ ماقاريش بزاف’ إلا بالاستعانة ببعض الناس الذين شرحوا لنا فحوى ما جاء فيه من تصريحات…” و تابع الشقيق الأكبر للموقوف عبد الغاني، في تصريح خص به موقع جريدة الحدث الشرقي ( Hadath.ma)، ” شقيقي معروف بكونه ‘كساب’ يمتهن تجارة المواشي، و لا علاقة لنا وله ولكل العائلة بما جاء في الفيديو …” وزاد قائلا: ” استغربنا فعلا لما فاه به في الفيديو، و نحن فعلا مصدومين من ذلك، لكننا بالمقابل لا نشك في أن ماجاء على لسان أخينا كان تحت الضغط والترهيب ‘ كانوا مبزين عليه ماشي خاطرو’…” ووصف لخضر شنة الوضعية الاجتماعية للعائلة ب ‘ لاباس علينا ‘ موضحا أكثر بالقول ” نحن نمارس النشاط الفلاحي، ونتوفر ولله الحمد، على مصادر الطاقة والمياه ولا نشكو خصوصا في هذا المجال…” ونفى المتحدث أن تكون لقريبه أية علاقة مسبقة بمجال التهريب، وجازما أن شقيقه، قد غرر به لممارسة هذا النشاط مقابل أطماع مادية ليس إلا …
وعبر لخضر شنة عن اعتزاز كل افراد عائلته بمغربيتهم ” ” الحمد لله نحن مغاربة و نحب وطننا و ملكنا”…
وفي موضوع تعامل السلطات المغربية مع التهريب بمختلف أشكاله تابع قائلا :”الأمن المغربي لا يتساهل ولايتهاون في زجر كل من يتعاطى للتهريب، شأنه في ذلك شأن باقي الأجهزة الأمنية من جنود ودرك ملكي…”.
وباندهاش وصدمة مماثلين و أكثر حدة بما عبر عنهما شقيقها لخضر بخصوص الشريط المرئي المذكور، عبرت ربيحة عن حزنها وحرقة قلبها على المصير الذي آل إليه شقيقها عبد الغني شنة، نافية في الوقت ذاته أن يكون ماصدر عنه من أقوال هي من تلقاء نفسه ” هاديك الهدرة ماشي ديالو وما يعرفلهاش..راه خونا وكبر معنا و ونعرفو مستواه … راهم غي ضربوه ولا زيرو عليه باش يقول هذا الكلام… ” وتابعت ربيحة في حديثها عن مصدر رزق شقيقها والمستوى المعيشي لعائلتها ” أخي كان يتعاطى للتجارة ‘ يبيع ويشري’ ويعيش بين أسرته ‘ مع وليداتو فبلادو، فخير على خير ..’ “.
وفي نفس السياق مضت ربيحة قائلة:” حنا عايشين فبلادنا بخير وعلى خير… فرحانين ببلادنا… وجدودنا كانوا وطنيين، وحنا نبيغو بلادنا ونبغيو ملكنا، والله ينصر سيدنا”…
وماذا بعد هذه التصريحات الصادمة غير التأكيد على أن خرجات الإعلام الجزائري لا زالت بعيدة عن الموضوعية والحقيقة، وأن الجارة الشرقية للمملكة، باتت عاجزة عن مجاراة الإيقاع الذي يسير عليه المغرب في تحقيق التنمية الشاملة، وتمدد و توسع إشعاعه على المستويين القاري و الدولي، بفضل السياسة الحكيمة والرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وصارت مذهولة أمام النجاحات المتوالية التي تجنيها الدبلوماسية المغربية في مختلف المحافل والملتقيات والمنتديات، ثم المصداقية التي بات يتمتع بها جهاز الأمن المغربي عند المنتظم الدولي، ما جعله بالتالي عاملا مهما وأساسيا في تحقيق السلم العالمي، ومحاربة الجريمة المنظمة ومكافحة تهريب المخدرات و الإرهاب، كل هذا مقابل اخفاقات نكراء يجنيها نظام العسكر الجزائري يوما بعد يوم، في محاولات يائسة للنيل من المغرب، من قبيل اختلاق الأوهام و تزييف الوقائع، في سياسة مكشوفة تهدف إلى تعليق المشاكل الداخلية للبلد على مشجب المغرب، وصرف أنظار الشعب الجزائري المغلوب على أمره عن أزماته ومعاناته الحقيقية.