الطيب الشكري
كرة القدم اللعبة التي شغلت العالم ولاتزال، أفرحت وأمتعت وفي أحيان كثيرة أحزنت وأبكت، ملايين الجماهير تتابعها من مختلف بقاع العالم، منتخبات وطنية وفرق محلية لها عشاقها الذين يتابعون كل صغيرة وكبيرة عنها دون كلل أو ملل، يتنقلون معها ويقطعون آلاف الكيلومترات حبا فيها وتشجيعا لها، والمنتخب الوطني والفرق الوطنية هي الأخرى لها عشاقها وجماهيرها التي أبدعت في مرات عديدة، وصل صداها إلى أقصى نقطة في العالم، لكنها اليوم وبعد الأحداث التي عشناها والتي تسببت في وفاة مشجعة في مشهد أحزن الجميع، واعتقال مئات المشجعين على خلفية أحداث شغب، أصبح من الضروري الوقوف عندها لأن الأمر بدأ يخرج عن السيطرة بسبب منسوب العنف الذي يحمله عدد كبير من المشجعين الذين ينتمون لعدد من الكوفرات، وأصبح اليوم ظاهرة خطيرة تسيء إلى الرياضة الوطنية عموما، وكرة القدم على وجه التحديد، خاصة وأننا مقبلين على حدث رياضي إفريقي كبير هو احتضان بلدنا لنهائيات كأس إفريقيا للأمم 2025، وتقديم طلب مشترك مع إسبانيا والبرتغال للظفر بتنظيم نهائيات كأس العالم 2030، ناهيك عن المسابقات الإفريقية والعربية الأخرى، وأن استمرار ظاهرة شغب الملاعب وبهذه الوثيرة أمر خطير لا يخدم الرياضة الوطنية وعلى رأسها كرة القدم، فحتى القرارات التي يتم اتخاذها في أحيان كثيرة باللعب دون جماهير لم تساهم في الحد من الظاهرة التي أصبحت اليوم مقلقة، وتستدعي تظافر جهود الجميع من أجل التصدي لها والحد من تمددها بهذا الشكل المخيف.
نحن اليوم في أمس الحاجة إلى وقفة حقيقية ومسؤولية مع شغب الملاعب الذي يغزو المدرجات، وانتقل من البطولة الإحترافية إلى قسم الهواة، حيث نجد يافعين في حالة هستيرية يجوبون الشوارع جماعات في مشهد غير مألوف لم تعهده ملاعبنا خلال سنوات مضت، يحوًلون المدرجات إلى ساحة وَغى تُثير الهلع والخوف في النفوس، غير آبهين بتبعات فعلهم هذا عليهم أولا كمشجعين وعلى أنديتهم، والأخطر من هذا كله على رياضتنا الوطنية التي تحتاج اليوم إلى عقلاء وحكماء، وليس دخلاء لنزع فتيل هذا الغول الذي يتهدد كرتنا الوطنية، ولا سبيل في ذلك سوى فتح نقاش عمومي تشارك فيه كل الأطراف المهتمة بكرة القدم من جامعة وعصب جهوية وفرق وطنية، دون أن ننسى مشاركة رابطة مشجعي الفرق الوطنية ( الإلتر)، لأن المسؤولية تبقى مشتركة بين للجميع -وإن بنسب متفاوتة- ليبقى الهدف الأوحد والأسمى من هذا النقاش هو الخروج بتصور واقعي للتعامل مع شغب الملاعب، بعيدا عن طغيان المقاربة الأمنية وآلية اللعب دون جماهير، والتي يبقى المتضرر منها هم الفرق الوطنية التي تحتاج إلى مداخيل إضافية رغم محدوديتها.
فالجماهير الرياضية هي ملح كرة القدم، ولا يمكن الاستغناء عنها، وهي أيضا اللاعب رقم 12 الذي بدونه تفقد معشوقة الجماهير نكهتها، وفي المقابل لا يمكن أن نتركها دون تأطير لتعيث في المجال عنفا هو مرفوض بكل اللغات، لذا وجب علينا التعامل معها وفق هذه العناصر للوصول في النهاية إلى ملاعب بجماهير مسؤولة محبة دون شغب، والأكيد أن المهمة ليست بالصعبة ولا بالمستحيلة، بل هي ضرورية لرياضتنا الوطنية، ولكرة القدم تحديدا.