بقلم: رضوان قرشاوي
عرفت العلاقات المغربية الجزائرية في السنوات الأخيرة موجات من التصعيد والمهادنة، فمن جهة، كانت الجزائر وراء أعمال قطع الطريق في منطقة كركرات بالصحراء المغربية، والتي تعامل معها المغرب بأسلوب جديد دفع من خلاله جحافل ”البوليساريو” عن المنطقة، وتمدد نفوذه إلى الحدود الموريتانية، كما عرفت العلاقات نفسها توجها آخر يتمثل في طرح مسألة القبايل من طرف المغرب لأول مرة واستقلالها أو تقرير مصيرها في محفل دولي.
لكن الثابت في هذه العلاقات خلال السنوات الأخيرة، هو تكرار صاحب الجلالة لدعوته الجزائر إلى العمل المشترك في إطار حسن الجوار والثقة والحوار. ورغم الدعوات المتكررة من أعلى سلطة بالمغرب، فإن الاستجابة كانت منعدمة تقريبا من طرف الجزائر.
1ـ منطلقات دعوة المغرب للحوار مع الجزائر
إن البعد الحضاري للمغرب، وانتماءه للفضاء المغاربي والعربي الأمازيغي والإفريقي والإسلامي، وتقاسم ذلك مع جارة مباشرة جغرافيا، يعد أساسا لكل الدعوات التي يقدمها للجزائر، فبغض النظر عن مستوى العلاقات والخلافات السياسية بين البلدين، ينطلق المغرب من هذا البعد ليجدد دعوته للحوار مع الجزائر.
إن هذا الحوار هو حوار حول المشاكل المشتركة والعالقة بين البلدين، ومنها مسألة الهجرة غير النظامية والإرهاب والجريمة العابرة للحدود، وهي إشكالات يعاني منها البلدان معا، ويمكن لأي تقارب أو تعاون أن يؤدي إلى تجاوز الكثير من المشاكل.
ومن جهة أخرى، يمكن القول أن إشكالات ترسيم الحدود البرية بين البلدين لها أهمية قصوى، بحيث ظهر ذلك في قضية العرجة بمنطقة فڭيڭ، هذا الأمر يمكن معالجته من خلال ترتيبات خاصة بين البلدين في إطار ثنائي تعاوني.
ولا يقحم المغرب مسألة الصحراء المغربية في الحوار الاستراتيجي مع الجزائر لاعتبارين على الأقل؛ الأول أن الصحراء في مغربها وتابعة لنفوذه، وتعرف تنمية اقتصادية واجتماعية متصاعدة. والثاني أن القضية توجد لدى مجلس الأمن الدولي، وهي الجهة الوحيدة المعنية بإيجاد حل سياسي متوافق حوله وقابل للتنزيل.
لكن ذلك لا يعني أنه في حال تحول الظروف السياسية في المنطقة يمكن أن تكون قضية الصحراء المغربية في قلب حل إقليمي بين المغرب والجزائر، باعتبارها المعني الأساسي بهذا المشكل كما جاء في قرارات مجلس الأمن في السنوات الأخيرة.
2ـ مآلات الحوار المغربي الجزائري
عندما دعا جلالة الملك سنة 2018 الجزائر إلى تكوين لجنة للحوار بين البلدين، فضلت الجزائر أن تبقى مدة طويلة بدون أي استجابة أو رد فعل، وعندما قامت بذلك، دعت إلى انعقاد قمة مغاربية بين دول اتحاد المغرب العربي، وهي المنظمة التي تعرف جمودا بفعل توتر العلاقة بين المغرب والجزائر، وبذلك فالرسالة التي وجهتها الجزائر للمغرب مفادها أنه لا مجال للاستجابة للطرح المغربي.
ونفس الشيء تقريبا حدث مع الدعوة الأخيرة لجلالة الملك، حينما خصص نصف خطاب عيد العرش الأخير لدعوة الجزائر باعتبارها جارا شقيقا، إلى حوار جاد وفعال قائم على الثقة وحسن الجوار، وبذلك كان الرد الذي جاء في حوار مع الرئيس الجزائري مبنيا على مغالطات كثيرة منها:
ـ إن المغرب لم يقدم أي رد رسمي على ما جاء سابقا بخصوص قضية القبايل، والتي أدت إلى استدعاء السفير الجزائري بالرباط، والحقيقة أن خطاب جلالة الملك الذي يعتبر أعلى سلطة بالبلاد كان كافيا للدخول في مسار جديد، ويمكن أن يعتبر تعويضا مباشرا على ما جاء سابقا، خاصة عندما قال إن الجزائر لا يمكن أن تتوقع أي شر من المغرب.
ـ إن المغرب لم يقحم مسألة الصحراء المغربية في هذا النسق الحواري، وبذلك فادعاء الجزائر أنها مستعدة لتحتضن حوار بين المغرب و”البوليساريو”، هي مسألة هروب إلى الأمام لا غير.
إن مستقبل الحوار المغربي الجزائري رهين بالاعتبارات الحضارية التي يجب أن تؤمن بها الجزائر، كونها طرفا رافضا لليد الممدودة التي يقدمها المغرب، كما يمكن أن تكون للقوى الإقليمية والدولية الصديقة دور في تقارب العلاقات المغربية الجزائرية، كما هو حال الدور الأمريكي مثلا.