بقلم: عبد المالك الهبيل
في لحظات الفقد، تلتقي الذكريات بالحزن، ويمتزج الماضي بالحاضر، لنرسم ملامح رجل لم يكن مجرد صديق أو زميل، بل كان نموذجًا للالتزام والأخلاق والإنسانية. رحل عنّا اليوم الأستاذ المحامي اسليسلي مصطفى، بعد مسيرة حافلة بالعطاء، تاركًا وراءه إرثًا من القيم والمبادئ التي جسّدها في حياته المهنية والرياضية والشخصية.
من المضمار إلى قاعات المحاكم: مسيرة رياضية وقانونية مشرّفة: بدأت صداقتنا في عام 1970 على مضمار حلبة لالة عائشة، حيث جمعنا شغف الرياضة، وكنا عدائين في نفس النادي “الاتحاد الرياضي الوجدي”. حينها لم يكن مصطفى مجرد زميل في التمارين، بل كان شخصية تشعّ بالطموح والانضباط، وكان دائمًا ما يحفّز من حوله على بذل المزيد.
لم تكن الرياضة مجرد محطة عابرة في حياته، بل شكلت جزءًا من هويته وشخصيته. فكما كان سريع الخطى في السباق، كان كذلك في حياته المهنية، يركض نحو العدالة والقيم النبيلة، حتى أصبح اسمًا بارزًا في المحاماة بوجدة، معروفًا بمواقفه النزيهة وسعيه الدائم لنصرة الحق.
الأستاذ اسليسلي مصطفى: رجل الأخلاق الرفيعة والتواضع النبيل.
ما ميز اسليسلي مصطفى، إلى جانب كفاءته المهنية، كان قلبه الكبير وسلوكه الإنساني الرفيع. كان نموذجًا للأخلاق السامية، يمدّ يد العون لكل من يحتاج، دون تمييز أو تردد. التواضع كان سمة أساسية في شخصيته، حيث لم يكن يضع حواجز بينه وبين الناس، بل كان دائم الابتسامة، خفيف الظل، حاضرًا بروحه الطيبة وكلماته المشجعة.
كان بيته مفتوحًا للناس، يستمع لمشاكلهم، ويقف بجانبهم، سواء كانوا من زملائه في المهنة، أو من الرياضيين الشباب الذين كانوا يرونه قدوة ومصدر إلهام. كان يعرف وجدة وأهلها، وكانت وجدة تعرفه وتحبه، ليس فقط كمحامٍ بارع، ولكن كإنسان يحمل هموم الآخرين على كتفيه، يسعى لخدمة الجميع دون انتظار مقابل.
إرث خالد وذكرى لا تموت. رحيله خسارة، ليس فقط لمن عرفه عن قرب، ولكن لكل من سمع عنه أو تعامل معه. إنه من أولئك الأشخاص الذين يتركون أثرًا لا يُمحى، لأنهم لم يكونوا مجرد أفراد في المجتمع، بل كانوا روحًا تنبض بالمحبة والوفاء.
اليوم، ونحن نودعه، لا نقول وداعًا، بل نعده بأن ذكراه ستظل حيّة، وأن مبادئه ستبقى منارة تنير دروب من ساروا معه ومن جاؤوا بعده. رحم الله الأستاذ اسليسلي مصطفى، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.
“لن ننسى من عاش كريمًا ورحل عظيمًا.”
