بقلم: عبد الحفيظ حساني
في هذه المقالة البسيطة والمتواضعة أحاول استقراء بعض الممارسات التي تظهر في شكلها الخارجي بأنها عمل بطولي، لكنها للأسف تلعب دورا تخريبيا يسجله التاريخ كشكل من أشكال الاستهدافات التي تطال العمل النقابي على مستوى الفعل والممارسة، وفي العمق التنظيمي كذلك.
إنها ظاهرة خطيرة أصبحت تجتاح الجماعات المحلية !
ما معنى أن يلتجأ بعض الموظفين إلى أعضاء المجلس، سواء في الأغلبية أو المعارضة لقضاء أغراضهم، وحل مشاكلهم ذات طابع نقابي ( طلب تغيير ( مصلحة ) مذكرة عمل / طلب رخصة سنوية/ طلب تعويضات الأعمال الشاقة و الملوثة/ القرارات التأديبية / … بل حتى النقطة السنوية و الترقية.
إن تدخل أعضاء المجلس ( أغلبية ومعارضة) في شؤون الموظفين هو عمل غير قانوني، ويعاقب عليه المشرع من الناحية التنظيمية، وفقا لأحكام الميثاق الجماعي الذي يجعل من رئيس الجماعة هو الرئيس التسلسلي للموظفين ( المادة 96 ).
وباستقرائنا لهذا الوضع، يظهر أن تنامي هذه الظاهرة يعني شيئا واحدا هو تجاوز أو غياب النقابات، وغياب الفعل النقابي بسبب الاستهدافات التي تطال العمل النقابي من طرف بعض المجالس المنتخبة، في سياق التضييق على الحريات النقابية، وهذا النوع هو الغالب، وقد عانينا منه في جماعة تاوريرت (كنموذج واضح) في ظل المجلس السابق الذي تجند رئيسه الراحل إلى معاداة الاتحاد المغربي للشغل كنقابة مكافحة وكان يتوسلو يضغط على الموظفين علانية قصد الانسحاب من UMT مقابل قضاء أمورهم والاستجابة لمطالبهم.
ومن ناحية أخرى الأمر راجع إلى ضعف النقابات، بمعنى إن غياب النقابات ناتج عن عجز هذه الأخيرة في مناولة وحل مشاكل الشغيلة لأسباب ذاتية ترتبط بقيادتها، والفهم الغير السليم للعمل النقابي من طرف مريديها “مناضلبها”
والمسألة الخطيرة جدا، هو ضرب استقلالية العمل النقابي، ومحاولة جر قضايا الموظفات والموظفين إلى الملعب السياسي، وخدمة الأجندات الحزبية.
إن للعمل الحزبي دستوريا أدواره الواضحة في تأطير المواطنين و نقاش قضايا الساكنة ( الواد الحار، تعبيد الطرقات، الانارة العمومية، نظافة المدينة، اقتراح مشاريع تخص وتكمل برنامج عمل الجماعة…وللعمل النقابي كذلك أدواره التاريخية الواضحة والمعروفة في تعبئة الطبقة العاملة، والدفاع عن مطالبها المشروعة وحقوقها المادية والمعنوية.
الصورة إذن جد واضحة، إذ لايعقل أن تحشر الأحزاب السياسية أنفها في مشاكل ومطالب الشغيلة الجماعية، التي تختلف في طبيعتها و جوهرها عن المطالب الملحة للساكنة مثل الماء والكهرباء والكودرون و الواد الحار، وحتى لا تتم محاولة تحوير أهداف هذه المقالة المتواضعة بادعاء العداء للانتماء الحزبي كيفما كان د، أقول و أوضح أن الاستقلالية التتظيم عن الحكومة و الإدارة والأحزاب في الاطارات النقابية هي المقصودة، وهذه الاستقلالية هي أساس نجاح ومصداقية العمل النقابي.
من جانب آخر لا أريد الخوض في النقاش النظري عن الجدلية بين النقابي والسياسي، وكذا عن الطبيعة الإصلاحية للأحزاب السياسية، و محاولاتها صناعة الأدرع النقابية، خدمة لأجنداتها الفاشلة على مستوى الشارع السياسي.
هكذا، فإن ظهور وثيقة في المواقع الاجتماعية والمجموعات عبارة عن عريضة، تضم سؤالا كتابيا، من ضمن الموقعين عليها من هو أشد عداء للعمل النقابي وتاريخ تواجده في رئاسة المجلس حافل بالقرارات الإدارية و التأديبية و الإندارات في حق الموظفين المناضلين، و التاريخ يشهد بأن الجامعة الوطنية لعمال وموظفي الجماعات المحلية بجماعة تاوريرت إ.م.ش راسلت في فترة ولايته كلا من وزير الداخلية، و المديرية العامة للجماعات المحلية، وعامل الإقليم، في تقرير من تسعة صفحات، احتجاجا على التضييق على الحريات النقابية، وممارسة حق الإضراب، واستهداف و محاولة التضييق على مناضلي الاتحاد المغربي للشغل…فسبحان الذي أسرى بعبده من رئاسة المجلس إلى المعارضة، و من محاربة الحق في الانتماء النقابي، الى الدفاع عن قضايا الموظفات والموظفين و “نزاهة امتحانات الكفاءة المهنية” وفي هذا السياق يقول المثل الشعبي “لو كان مانعرفكش يصحابني مدفع”.
بهذه المداخلة المتواضعة، أحاول إثارة الانتباه إلى خطورة تكريس عرف خطير جدا يثمثل في ممارسة الوصاية على الموظفين، وكأننا في “جمعية أباء و أولياء التلاميذ”، أو كأن الموظف سفيه أو مجنون أو قاصر.
إن محاولة تكريس هذا العرف، بغض النظر عن الأهداف الخفية، و منطق التضليل الإيديولوجي، ومحاولة استخدام واستغلال الشغيلة الجماعية لربح معارك سياسية في مواجهة الأغلبية… وإن سيادة هذا العرف، وتنامي هذه الظاهرة، إنما يستهدف القضاء على النقابات في وجودها التنظيمي وأدوارها التاريخية، كمدافع عن الشغيلة والطبقة العاملة، لهذا قلت في مقدمة هذه المقالة ما قد يظهر على المستوى الخارجي كأنه موقف بطولي، هو في حقيقته عمل تخريبي يستهدف اجتثات العمل النقابي، وضرب النقابات في وجودها التنظيمي.