عبد القادر بوراص
غادرنا الطريق الوطنية رقم 17 على مستوى جماعة كنفودة لنلج طريقا ضيقة غير مرقمة تعبر أراضي قاحلة شبه صحراوية، تبعثرت هنا وهناك تجمعات سكانية قليلة العدد، أخبرني مرافقي أن أهلها ينحدرون من عائلة واحدة، مصدر عيشهم الوحيد الرعي وتربية رؤوس من الأغنام تعد على رؤوس الأصابع، ومع توالي سنوات الجفاف وارتفاع أثمنة العلف، فقد وجد الكثير منهم نفسه دون عمل وانضم إلى طابور العاطلين.
من حين لآخر تصادفنا شجيرات كالأشباح بعد أن يبست وذبل عودها مثل ذبول أجسام سكان المنطقة الذين يفتقرون لكل متطلبات العيش الكريم قبل أن ينتهي “الكودرون” ويستقبلنا مسلك طرقي من تراب نبتت به أسنان وأضراس قاطعة من الحجارة الحادة. سيارتان في الأمام مكدستان عن آخرهما بملابس وأغطية شتوية ومواد غذائية متنوعة تسيران ببطئ خوفا من انقضاض أسنان الطريق الحادة عليها، سيارتنا لم تكن محظوظة لأنها كانت خلفهما فصعبت مهمة سائقنا بعد أن خلفتا وراءهما سحابة من العجاج الداكن حجب عنا الرؤية، وأضحت عجلات السيارة تئن تحت ضغط الحجارة المسننة. بضعة أميال من الطريق عجز المسؤولون عن تعبيدها وتركت ساكنة مطروح الصغير تعاني الويلات جراءها، خاصة حين تتساقط الأمطار.
رحلة مستعصية انتصرنا عليها لنبل هدفنا ووصلنا في أمن وسلام إلى منطقة مطروح الصغير، التابع ترابيا لجماعة لعوينات بإقليم جرادة، بيوت من حجارة وطين نبتت بشكل فوضوي تحت أقدام الجبال، أرباب أسر ارتسم الشقاء على محياهم ومع ذلك لم تفارقهم الابتسامة وحفاوة الاستقبال وحسن الضيافة ونحن نقتحم عالمهم النائي دون سابق إنذار. كان البرد قارسا للغاية رغم أشعة الشمس التي أنارت المكان القاحل إلا من نبات الحلفاء الذي تستخدمه النساء في صنع منتجات بدائية للاستعمال المحلي. خيل إلي أني في منطقة “تورا بورا” لولا الراية الوطنية التي كانت تزين سياراتنا.
استقبلنا العم صالح بابتسامة محتشمة رفقة ابنه اليافع الذي نجح بامتياز في متابعة دراسته الإعدادية كتلميذ داخلي بمدينة جرادة، إنه خبير بأحوال أهل مطروح الصغير، قادنا لزيارة الأسر الأكثر هشاشة وفقرا، ورأينا عين اليقين ما يعانيه هؤلاء من شظف العيش ومع ذلك فهم متعففون كرام، ألحت عجوز رأسمالها ثلاث دجيجات في تقبل بيضات منها ربما جمعتها ليبيعها أحد سكان الدوار بالسوق الأسبوعي لكنفودة، أما هي وغيرها من النساء فلا يغادرن المكان إلا لضرورة ملحة.
تسابقت الناشطات الجمعويات ممثلات جمعية أماني الشرق للثقافة والتضامن تتقدمهن مهندسة القوافل التضامنية وخدومة الطبقات الشعبية نجاة دحو، وهن كلهن رشاقة وحيوية رغم العقبات الكأداء التي قطعنها مشيا على الأقدام محملات بأكياس ضمت مجموعة من حاجيات هاته الأسر المحتاجة حقا وقدمنها إليهن باحترام كبير ونكران ذات بلا حدود، كما قدم الدكتور المتواضع رحيم فايق، رئيس جمعية التنمية، التربية والرعاية، أدوية لأرباب الأسر لمواجهة بعض الأمراض الناجمة عن موجة البرد وتقلبات المناخ، لترتسم ابتسامة معبرة على شفاه أسر منسية بهاته المنطقة التي تئن تحت وطأة الفقر والإهمال والتهميش.