ما صرح به الوزير الجزائري رمطان لعمامرة في سياق عرضه لأسباب ومبررات قطع العلاقات الديبلوماسية مع المغرب من ربط الحاضر بالماضي، و استحضار العداء التاريخي للقول ان المغرب لم يتوقف يوما عن الاعمال العدائية ضد الجزائر ابتداء من حرب الرمال سنة 1963 الى برنامج بيغاسوس ، محملا المغرب نتائج الخلافات والمواجهة بدل التكامل في المنطقة المغاربية، ينم عن سوء النية وطمس الحقائق والتنكر الصريح للتاريخ ، ومحاولة صريحة للتغطية عن ازمات الجزائر الداخلية بتأجيج الرأي العام وشحنه ضد المغرب .
و ما غاب عن اذهان مدبري الازمات الحالية ان للتاريخ ذاكرة وان المملكة المغربية العتيدة الضاربة في عمق التاريخ لها تاريخ حافل موثق للوقائع والنوازل والمواقف في سجلاتها في مختلف عهود سلاطينها ،و لا يدع مجالا للشك بان المملكة لم تتوان يوما في مد يد العون للجزائر إبان الاستعمار في عهد المغفور له الملك محمد الخامس الذي لم يهدأ له له بال الا بعد استقلال الجزائر
ولعل جنود وجدةً من قادة جزائريين وملحمة الباخرة دينا التي رست براس الماء بالناظور ومختلف الوقائع الموثقة تثبت ذلك ، ولا يمكن لأي كان طمس ومحو ذاكرة الشعوب
واذا كان الشيء بالشيء يذكر وحتى نتدثر بالتاريخ ، فان المرحوم الحسن الثاني طيب الله ثراه شرح في كتابه التحدي LE DÉFI. الصادر باللغة الفرنسية سنة 1976 موقفه من الجزائر في الصفحات من 87 الى 95 اذ اعتبر ان الحرب مع الجزائر هي حرب اهلية باعتبار ان الشعوب المغاربية اسرة واحدة ، مشيرا انه اثناء المناوشات مع الجزائر سنة 1963 اعطى اوامره للجيش المغربي بالتراجع مسافة كيلومتر واحد من الحدود وعدم القيام بأي هجوم والامتناع من اطلاق الرصاص الا للدفاع عن النفس وذلك احترازا للوقوع في الفخاخ المنصوبة سلفا للشعوب المغاربية
كما اشار المغفور له الراحل الملك الحسن في مؤلفه : ذاكرة MÉMOIRE D’un ROI
: « انه من الافضل تجنب القيام بعملية عسكرية والا كنا قد شوهنا الحاضر وعرضنا المستقبل للخطر وتسببنا في مقتل اناس وصرفنا الاموال ..”
ولعل مختلف خطابات جلالة الملك محمد السادس نصره الله ركزت على ارتباط المغرب بمحيطه وتشبته بالتاريخ المشترك المبصوم بتضامن شعوب المغرب الكبير عبر التنسيق بين قيادات المقاومة المغربية وجبهة التحرير الجزائري بالاضافة الى المساعدات القيمة التي قدمها المغرب للجزائر من اجل الحصول على استقلالها ،بل ارتقى بمفهوم العلاقات بين البلدين الى مستوى ” التوأمة المتكاملة ” محملا المسؤولية السياسية والاخلاقية لقادة البلدين في حالة استمرار اغلاق الحدود ، كيف لا وهو الذي جعل من المملكة بلدا عصريا يحتل موقعا متميزا على الساحة الدولية نظرا لمساهمتها في ارساء السلم والامن !
لكن ردود الافعال المشوبة بسوء النية والتعالي من فراغ ومحاولة حجب الازمات الداخلية العصيبة التي يتخبط فيها حكام الجزائر نأت بهم الى المزيد من اتخاذ الاجراءات التصعيدية المتمثلة في اغلاق المجال الجوي بعد قطع العلاقات الديبلوماسية، معللين ذلك التصرف الارعن بمواقف عدائية للمغرب ضد الجزائر مواقف يشهد التاريخ بقوة وقائعه المسجلة في سجلات المملكة باثباتها لعكس ما يدعيه حكام الجزائر
واذا كانت اسباب التصعيد حسب الادعاءات الواهية التي لا ترقى الى درجة الاعتذار تتمحور حول العداء التاريخي للمغرب ضد الجزائر ، ما بالهم بالعدوان ضد المغرب المتمثل في محاولة زعزعة استقراره والتطاول على وحدته الترابية والاستمرار لمدة 46 سنة في مضايقته والمجادلة في استكمال وحدته الترابية المشروعة
وفي استحضار الخطاب الملكي السامي بمدينة العيون بتاريخ 11يونبو 2015 اوضح الملك ان الجزائر لم توفر لمدة تزيد من اربعين سنة حوالي 6000 سكنا يصون كرامة المحتجزين بمعدل 150 وحدة سكنية رغم ملايين الاورو التي تذهب الى جيوب وارصدة باوروبا وامريكا اللاتينية في الوقت الذي اعتبر فيه وضعية المحتجزين كارثة انسانية وخرقا سافرًا لابسط حقوق الانسان ،
مضايقات فعلية وتدخل سافر في شؤون المغرب وبذل الاموال من اجل محاولة المس بثوابته ووحدته الترابية وعرقلة التكامل الاقتصادي المغاربي ، في الوقت الذي تعتبر فيه ان مجرد تأييد ديبلوماسي مغربي دعوات تقرير المصير لمنطقة تيزي وزو هو تدخل غير مقبول في شؤون الجزائر الداخلية ، في قمة الكيل بمكيالين وتجسيد لاسكيزوفرينيا العساكر ، بل ان التمادي في العبثية واللامعنى ونفث السموم في مواجهة المغرب وصلت الى حد اتهام المغرب بالتورط في حرائق الغابات بالجزائر ورفض المساعدة المعروضة من المغرب
ولعل اعتراف الرئيس الامريكي السابق بسيادة المغرب على كافة اراضيه ، وتزايد عدد الدول التي تقر بهذه السيادة والتي افتتحت ازيد من عشرين قنصلية بالصحراء المغربية كلها امور تشكل ضربة قاسية لاطروحة البوليساريو وحليفتها والوصية عليها الجزائروتتويجا لمختلف المحطات والدينامية التنموية التي تشهدها منطقة الصحراء المغربية المعتبرة قطبا اقتصاديا جهويا يساهم فيه المنتخبون ديموقراطيا في تنفيذ سياسات تدبير وتنمية موارد المنطقة التي يستفيدون منها .
كما ان ادعاء تعاقب الازمات وخطورتها لا يمكن باي حال من الاحوال نسبته الى المغرب ، بل ان جميع الملاحظين والمطلعين يعلمون علم اليقين ان توتر الاجواء يرجع بالاساس الى الدعم اللامشروط لمرتزقة البوليساريو الانفصالية ، وليس الاعمال العدائية للمغرب التي لا توجد الا في مخلية حكام الجزائر الذين يتجاهلون حجم وجسامة التغيرات والنقط الايجابية المسجلة لفائدة المغرب وما حققه من مكاسب دبلوماسية بفضل السياسة الحكيمة لملك البلاد الذي لم يتوان يوما وبقوة العديد من الخطابات الملكية السامية التي كلها تدعو الى السلام وحسن الجوار والتكامل الاقتصادي والحفاظ على اواصر المحبة والاخاء وحسن الجوار ، بدل تسويق الوهم و تأجيج الحقد والتحجج بالاسباب الواهية !
كيف لا وتلك صفات الملوك النبلاء ، واخلاق المملكة العريقة العتيدة الضاربة في عمق التاريخ !.