تتواصل فصول القضية المثيرة للجدل المرتبطة بالمشروع السكني “الفارابي”، الذي تشرف عليه جمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي الصحة بوجدة، والمقام بمنطقة بلاد الهبري بجماعة السعيدية، على مساحة تناهز 03 هكتارات و 56 آرا و 47 سنتيارًا، المرجع العقاري 12237/40).
فبعد مرور أكثر من عشرين سنة على انطلاق هذا المشروع، تفجرت خروقات مالية وإدارية وصفت بـ “الخطيرة”، أحيلت على القضاء، لتعود القضية مجددًا إلى الواجهة مع مستجدات قضائية وإدارية لافتة.

ملفان قضائيان متوازيان أمام المحكمة الابتدائية بوجدة
تشهد هذه القضية متابعة قضائية متقدمة ضد رئيسة جمعية الأعمال الاجتماعية، وأمين مالها، والمقاول المكلف بالإنجاز، في الملف المتعلق بـ تهم النصب وخيانة الأمانة وعدم تنفيذ العقود، والتصرف في أموال مشتركة والتصرف في أموال غير قابلة للتفويت، إذ من المقرر انعقاد الجلسة المقبلة صباح يوم الأربعاء 17 دجنبر الجاري بالمحكمة الابتدائية بوجدة، وسط ترقب كبير من طرف المساهمين والمتضررين وأفراد الجالية المغربية بالخارج، الذين ساهموا في المشروع منذ بدايته.
وفي السياق ذاته، ستعقد يوم الأربعاء 31 دجنبر 2025 جلسة الملف الثاني المتعلق بالدعوى العمومية المرفوعة ضد نفس الأطراف، والتي تشمل تهم “التزوير في محررات تجارية وعرفية باصطناع اتفاقات وتضمينات والتزامات وإبراءات واستعمالها، والمشاركة والمساهمة في المشاركة في التصرف في أموال غير قابلة للتفويت والتصرف في مال مشترك قبل اقتسامه والمساهمة والمشاركة في النصب وخيانة الأمانة”.

العقار موضوع المشروع تحت حجز تحفظي وتقييدات احتياطية
يخضع العقار حاليا لعدة تقييدات احتياطية وحجوزات تحفظية، منها حجز تحفظي لضمان أداء مبلغ يفوق 26 مليون درهم لفائدة المساهمين. وتؤكد جمعية المتضررين، أن هذه الإجراءات جاءت لحماية حقوق الممولين، وهي تهدف إلى تجميد أي تصرف قانوني أو إداري في العقار، سواء بالبيع أو الرهن، أو التفويت، أو إبرام عقود جديدة، إلى حين صدور أحكام قضائية نهائية.

التسليم المؤقت للتجزئة ” الذي أثار الجدل
على الرغم من الوضعية القانونية المعقدة للعقار، كشفت مصادر مطلعة للموقع، أن الموافقة على التسليم المؤقت المبكر للتجزئة أثار موجة استياء واستغراب بين المنخرطين، الذين راسلوا الجهات المختصة عبر شكايات ورسائل متعددة، مطالبين بتعليق أي قرار للتسليم المؤقت، والتريث إلى حين صدور الأحكام القضائية النهائية، ورفع الحجوزات والتقييدات العقارية.
وتوضح الوثائق الرسمية، أن طلب رخصة تمديد الأشغال الممنوحة في 18 يوليوز 2024 لم يقدم لاستكمال الأشغال التي توقفت منذ 2018، بل طلب من أجل التسليم المؤقت للتجزئة، بحيث تصبح شهادة التسليم المؤقت مدخلا لتقسيم العقار، وتفويت نصفه للمقاول.
في سياق متصل، أقدم المكتب المسير للجمعية على منح سلسلة توكيلات وتفويضات غير مسبوقة للمقاول تشمل عقودًا تعديلية، واتفاقيات وإشهادات تضمنت ديونا وهمية، وصلاحيات شاملة شملت تمليكه أكثر من نصف الوعاء العقاري (7500 متر مربع، فضلا عن صلاحيات البيع والتحصيل والحصول على التراخيص، في تفويت متعمد لسلطة الجمعية على أصولها، دون أي سند قانوني مشروع.
وتقدر هذه الديون لفائدة المقاول بأزيد من 15 مليون درهم، وهي موضوع طعون قضائية متعددة لم يُحسم فيها بعد، وتمثل استباقا خطيرًا لمخرجات القضاء، ومحاولة لتسريع تفويت المشروع لأطراف ثالثة.

فسخ العقد مع المقاول في إطار خطة لإبعاده عن الجمعية وقطع كل مظاهر التواطؤ معه
في سنة 2022، أقدمت جمعية الأعمال الاجتماعية على فسخ عقد المقاول المكلف بالمشروع في إطار اتفاق ودي”، تم بموجبه إعفاؤه من كل التزاماته المالية والتقنية، رغم وجود اختلالات تقنية جسيمة، وأشغال أنجزت خارج إشراف المهندس المعماري، وبواسطة مقاولين فرعيين غير معتمدين، في محاولة لتأمين مخرج للمقاول يعفيه من أي مسؤولية مالية أو تقنية، علما أنه سبق أن تلقى أكثر من 04 مليارات سنتيم، دون إنجاز فعلي يبرر هذا المبلغ، ليتحول من منفذ لأشغال متدهورة، إلى مالك فعلي لما يفوق نصف المشروع، وهو وضع يطرح تساؤلات جدية حول علاقة الجمعية بالمقاول، ومدى مسؤوليتها في تمكينه من مكاسب عقارية مشاعة بدون سند؟.
وتوضح الوقائع أن الغاية الحقيقية من طلب تمديد رخصة الأشغال، وطلب التسليم المؤقت لم تكن استكمال لأشغال، أو تمكين المستفيدين، بل تنفيذ خطة معدة مسبقا ضمن تواطؤ صريح وممنهج بين ما تبقى من المكتب المسير والمقاول، من خلال إعداد وثائق مفصلة لإضفاء غطاء قانوني شكلي لتصفية الوعاء العقاري، وتفويته لأطراف بعينها.
ويذكر، أن الجمعية فقدت مبرر وجودها الأصلي، بعد إنشاء مؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لموظفي الصحة كمؤسسة رسمية بديلة، ما أدى إلى إفراغ مقرها الإداري، وتوقفها عن ممارسة أي نشاط اجتماعي، فاقدة الصفة القانونية والتمثيلية الفعلية، حتى في علاقتها مع موظفي الصحة على المستوى المحلي بوجدة، واستغل بعض الأطراف الوضع الجمعوي للسيطرة على المشروع، وإقصاء الممولين الفعليين، مما حول الجمعية من كيان اجتماعي إلى كيان يتبع منطقا تجاريا بحثا.
كما يثير غياب أي معلومة رسمية حول هوية وعنوان الجهة القائمة حاليا على المشروع مخاوف جدية، إذ يفاقم الغموض ويطرح تساؤلات حول استمرار اتخاذ قرارات مالية وتنظيمية باسم المساهمين، دون أي سند قانوني.
وما يزيد من منسوب القلق، أنه وبحسب المعطيات المتوفرة، أصبح يتداول إسم يشاع أنه نائب للرئيسة المتابعة قضائيا، يتدخل فعليا في تدبير المشروع، متحدثا باسمه ويتصدر الواجهة بصفته نائبا لرئيسة الجمعية، فضلا عن كونه منخرطا فيه بصفة شخصية.
موقف المتضررين
أكدت جمعية المتضررين أنها تحتفظ بحقها الكامل في سلوك جميع المساطر القانونية والإدارية، دفاعا عن حقوق المساهمين، محملة المسؤولية لكل أعضاء مكتب الجمعية، كما تجدد ثقتها في العدالة المغربية، مؤكدة أنها ستواصل متابعة الملفات عبر ممثلها القانوني وهيئتها المنتدبة، حرصا على إظهار الحقيقة، وإنصاف المتضررين، لاسيما أفراد الجالية المغربية بالخارج الذين ساهموا بأموالهم في المشروع أملا في امتلاك سكن، قبل أن يتحول حلمهم إلى نزاع مفتوح منذ سنوات.

