بقلم الأستاذ: سعيد الجراري
بحكم انتمائي إلى عامة المسلمين. وقناعتي الراسخة بقداسة دين الإسلام الحنيف، وبدافع من غيرتي على ديني، وعملا بقوله تعالى: “ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين” سورة فصلت الآية 33، واستنادا على هذه الاعتبارات والقناعات، أود أن أوجه محتوى هذا المقال إلى ذلك الرجل الدنيئ الذي تجرأ على حرق المصحف الشريف، ولا ريب أنه قد أقدم على فعله الخطير بعد أن اطمأن أن هناك من يحميه من عبدة الطاغوت ويشجعونه على القيام بذلك الأمر الخطير المرفوض في يوم عيد الأضحى، وأمام مسجد للمسلمين بعاصمة السويد وكان قصده من اختيار زمن ومكان تنفيذ جريمته هو المساس بمشاعر المسلمين في جميع أقطار الأرض.
ولتبرير جريمته، قيل بأن فعله يدخل من باب حرية التعبير. أفلا يعلم أولئك الذين أحاطوه بالحماية بأن حرية التعبير تكون باللسان أو بالقلم. بالقول أو بالكتابة. وليس بفعل الاعتداء على مقدسات المسلمين والمساس بمشاعرهم في يوم من أيام عيدهم الذي يحيون فيه سنة إبراهيم عليه السلام.
فليعلموا بأن القرآن الكريم اشتمل على ما ورد في جميع الكتب السماوية الأخرى. فليقرؤوا قوله تعالى مخاطبا الرسول ﷺ ” ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم” سورة فصلت الآية 43. وقوله تعالى في سورة الأعلى الآية 18 و19 “إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى”.
وقوله تعالى: “شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه” سورة الشورى الآية 13.
وقوله تعالى: “وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيؤون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون” سورة البقرة الآية 136.
واستنادا إلى ما ذكر من الآيات البينات، فإن الرجل الذي أحرق القرآن الكريم قد أحرق كل الكتب المنزلة وأحرق كل أسماء الرسل والأنبياء التي وردت في المصحف الشريف، وخاصة تلك التي سميت بأسمائهم كسورة آل عمران وسورة يونس وهود ويوسف وإبراهيم ومريم ويس ومحمد ونوح والأنبياء.
فعلى الذين أحاطوا ذلك الرجل بالحماية أن يعلموا بأن القرآن هو الكتاب الذي لا ريب فيه هدى للمتقين، وهو الفرقان الذي أنزل ليكون للعالمين نذيرا، وهو الذكر، وهو البرهان، و هو الهدى، وهو الحكمة، وهو النور، وهو البيان، وهو الشفاء، وهو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ومن المعلوم، أن عملية الاعتداء على المصحف الشريف قد حدثت في أماكن أخرى غير السويد. قام بها أولئك الحاقدون على القرآن الكريم أولئك الذين يعتقدون خطأً أن القرآن كتاب محمد ﷺ الذي جاء بدين الإسلام. إنهم يجهلون أو يتجاهلون بأن الإسلام هو دين الله الذي اختاره لعباده المؤمنين، وقد اعتنقه سيدنا إبراهيم عليه السلام قبل ظهور محمد ﷺ بآلاف السنين.
ففي سورة الحج الآية 78 يقول تعالى مخاطبا الرسول محمدا ﷺ “… ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين…” والحواريون لما سألهم عيسى عليه السلام “من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله فاشهد بأنا مسلمون…” الآية 52 سورة آل عمران.
وأما يوسف عليه السلام فقد قال لما رفع يديه إلى ربه شاكرا لأنعمه: “رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث، فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين” الآية 101 من سورة يوسف.
يتضح مما ذكر بأن الرسول محمدا ﷺ بعثه الله تلبية لطلب إبراهيم أبو الأنبياء عليه السلام ليُحْيِـيَ ملة إبيه إبراهيم التي هي الإسلام. ومن المعلوم أن نَسَبَ مُحمَّدٍﷺ ينتهي إلى سيدنا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
يقول تعالى في سورة الجمعة الآية 2: “هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين”.
واعتمادا على ما ذكر من الأسانيد القرآنية فإن الإسلام قد وُجد مع وجود أول إنسان فوق هذه الآرض التي أصبحت تحمل على ظهرها ما يزيد على ستة ملايير من بني آدم منهم مليار مسلم.
فعلى الذين يتهمون الإسلام أن يراجعوا أنفسهم ويُقْلعوا عن الاعتداء بالإحراق والتمزيق والتدنيس لكتاب الله المقدس عند المسلمين. فإنهم بأفعالهم تلك يزرعون بذور الكراهية والبغضاء بين الناس، ويفتحون أبوابا للإرهاب والإرهابيين الذين يتبرأ منهم الإسلام لأنهم جماعة من المنفصلين عن المـجتـمع، الخارجين على إجماع الأمة، وكل خارج عن إجماع الأمة لا يعتبر منها.
فالإرهابيون جماعة تعمل في الخفاء من أجل الاعتداء على الآخرين بإزهاق الأرواح وإقلاق سلامة الناس. والإسلام ينهى عن الاعتداء اعتمادا على قوله تعالى: “… ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين” سورة البقرة الآية 190.
فالدعوة إلى الله تكون بالحكمة والموعظة الحسنة. وليس بإحراق المصاحف أو قتل الناس بالسيوف وبنادق “الكلاشينكوف” أو بتفجير الذات في الأماكن العامة لإزهاق الأرواح والإضرار بمصالح العباد.
وأعتقد أنه لا فرق بين هؤلاء المعتدين على كتاب المسلمين بالإحراق أو التمزيق أو الدنيس، وأولئك الذين يرتكبون جرائمهم باسم الإسلام، فكلاهما يسيئان إلى الدين الحنيف ويتهمان ضمنيا كل الذين يعتنقون دين الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها.
فالإسلام دين التعايش والتسامح والتضامن بين بني الإنسان على اختلاف أعراقهم وألسنتهم وألوانهم يقول تعالى وهو أصدق القائلين: “… يأيها الناس إنا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير” سورة الحجرات الآية 13.
ولا يفوتني في ختام هذا المقال، أن أُثَـمِّنَ وأنوه بالموقف الشجاع الذي اتخذه صاحب الجلالة أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين حالـمـا علم بأن أحد مواطني السويد قد أحرق المصحف الشريف يوم عيد الأضـحى، حفظ الله أمير المؤمنين.