بقلم الدكتور إسماعيل فيلالي
بالرغم من الإصلاحات المتوالية التي تم إطلاقها في المغرب منذ سنوات، لمواجهة اختلالات المنظومة التربوية بصفة عامة، ومواجهة الهدر المدرسي بصفة خاصة؛ فإن الواقع يبقى مخالفا لكل الطموحات والأحلام. فالمعطيات الرسمية تشير إلى أن أزيد من 305 ألف تلميذ مغربي غادروا المدرسة خلال الموسم الدراسي 2019/ 2020. وفي الموسم الدراسي 2018 / 2019 غادر المدرسة 360 ألف تلميذ، وهؤلاء
هم رجال ونساء المستقبل، وقد بلغت نسبة انقطاع التلاميذ هذه السنة في:
التعليم الابتدائي: 76 ألفا و574 منقطعا،
التعليم بالإعدادي: 160 ألفا و837 منقطعا،
التعليم الثانوي التأهيلي: 67 ألفا و 134 منقطعا.
الرقم يعد كبيرا بالنظر إلى أن المغرب يرفع منذ سنوات إجبارية التعليم، ويرفع شعار الجودة والحكامة وحسن التدبير، أرقام تؤرق المسؤولين على تسيير الشأن التعليمي، وعلى رأسهم وزير التربية الوطنية ومديرو الأكاديميات والمديرون الإقليميون.
وإذا عدنا إلى جمع عدد التلاميذ الذي ينقطعون عن الدراسة سنويا، فإن الرقم، لا محالة، سيكون أكبر بكثير في مختلف المستويات التعليمية ولأسباب مختلفة…. ومن المرجح بأن نسبة الانقطاع عن الدراسة ستكون هذه السنة أكبر بكثير من السنوات الماضية، نظرا للإضرابات التي عرفها القطاع وطريقة التناوب على الدراسة بسبب كورونا….
إن متابعة التلاميذ للدراسة هي مسؤولية الوزارة والأكاديميات والمديريات الإقليمية، بل هي مسؤولية الدولة كاملة، نعم هناك أعطاب كثيرة تعرفها منظومة التربية والتكوين على مستوى التدبير المالي والإداري والتربوي، لكن الخطير فيها هو هذه الظاهرة التي يغادر فيها ”أطفال المستقبل” المدرسة، ويحالون على الشوارع لمواجهة الواقع المرّ ومشاق الحياة في وقت مبكر من حياتهم الشقية، والأخطر في الأمر
هو أنهم سيعودون لمضاعفة أرقام الأمية لتغيب عنهم أبجديات الكتابة والقراءة التي بالكاد تعلموها…..
الانفصال عن الدراسة نتاج المنظومة التربوية الهجينة وارتفاع عدد المفصولين والمنقطعين هو خير دليل على هذا الترهل الذي تعرفه المنظومة التربوية؛ لأن التلميذ هو محور العملية التعلمية والتعليمية وقطب الرحى فيها، فإذا لم تستطع المدرسة احتضان التلاميذ، فلا حاجة للحديث عن الحكامة وحسن التدبير، ولا حاجة لتوقيع عقود نجاعة الأداء من أجل ترسيخ منهجية الحكامة، لا حاجة أيضا للحديث عن نجاح
القانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ومخرجاته إذا لم تعط الأولوية لمعالجة هذه الظاهرة التي تهم مختلف مكونات المجتمع ومستقبل البلاد بصفة عامة.. لأن العبرة بالنتائج وليس بالكلام… وتفعيل المبدأ الدستوري الذي يقضي ربط المسؤولية بالمحاسبة يجب أن يبدأ من هنا، فكل مسؤول وطني أو جهوي أو إقليمي لم يجد حلولا لهذه الظاهرة يجب أن يحاسب، لأن المؤشر الحقيقي للحكامة الجيدة وحسن التدبير وتحمل المسؤولية هو أن يضمن كل أبناء المغرب مقعدا لهم في المدرسة تبعا للاتفاقيات المتعلقة بالحق في التعليم التي صادق عليها المغرب ولم تجد طريقها إلى التفعيل كما هو مطلوب، خاصة بالنسبة إلى الأطفال المنتمين إلى الطبقة الاجتماعية الهشة…
ضمان التلاميذ لتعليم منصف ودامج يجب أن يكون أولوية حقيقية، ونتيجة حتمية لكل إصلاح حقيقي، لأن تفشي ظاهرة مغادرة المدرسة، يطرح أسئلة ملحة حول فعالية هذا الاصلاح والحكامة الجيدة المزعومة وطريقة تنزيلها…
وفي محاولة لمعالجة الظاهرة، يبدو أن الوزير يبحث عن حلول معقدة ستبدأ بجر أولياء أمور التلاميذ المنقطعين إلى القضاء، لمواجهة الهدر المدرسي، من خلال مسطرة قضائية ستباشر في مواجهة الأسر التي تمنع أطفالها من التعليم الإلزامي، ويشير الوزير إلى أن هذه الخطوة تتعلق بضرورة تفعيل مقتضى دستوري يؤكد أن مسؤولية ولوج الأطفال إلى التعليم هي مسؤولية الدولة ومسؤولية الأسر، وفي هذا
الإطار، فقد تم توقيع شراكة مع رئاسة النيابة العامة للقيام بالمطلوب (كذا ؟؟)
ما هكذا تورد يا سعد الإبل … ، أيها الوزير، إن مكافحة هذه الظاهرة، يجب أن يبدأ بتوفير بنيات الاستقبال والموارد البشرية الضرورية الكافية والمؤهلة، واتخاذ الإجراء ات المرتبطة بتحقيق العدالة المجالية من بناء داخليات ومدارس جماعاتية، موزعة على عموم قرى وبوادي المملكة، لأن هؤلاء التلاميذ هم ضحايا السياسة التعليمية الفاشلة المتبعة، ولا ذنب إطلاقا للأسر فيها.. كما يجب على السيد الوزير أن يبحث عن الأموال الطائلة التي تنهب من تحت الطاولات من لدن المسؤولين عن القطاع، حيث إن نهب الأموال بطرق ملتبسة هو ديدن الكثير من ضعاف النفوس والملهوفين الذين أصبحت روائحهم تزكم الأنوف، حيث انتشرت ظاهرة الإكراميات من لدن الممونين والمقاولين في كل توقيع على مصاريفهم من الآمرين بالصرف الذين لهم أحلام يغطيها سقف من الطموحات الشخصية والفوز بالمال والمناصب، ولا يهمهم إطلاقا مصير هؤلاء التلاميذ، ليبقى مستوى المسؤولية دون الصفر ودار لقمان على حالها إلى اشعار آخر…
إن الكثير من هؤلاء المسؤولين المنمقين يتشدقون بحب الوطن وخدمة الصالح العام وهم يمارسون ممارسات يندى لها الجبين.. إن حب الوطن ليس مجرد كلام، وإنما هو قدرة العمل الصادق والخلاق والمبدع، وأن نكون على قدر عال من المسؤولية تجاه العلاقة التي تربطنا بهذا الوطن وبأبنائه، وبقدرتنا على حماية المدرسة المغربية التي تعتبر مشتلا لجيل المستقبل الذي سيتحمل مسؤولية هذا الوطن….
فحق التلميذ في الاستفادة من التعليم في إطار المساواة وتكافؤ الفرص هو المبدأ الذي يكرّسه دستور المملكة، وهو الذي يجب أن تعمل الوزارة على تثبيته على أرض الواقع… وبه وجب الإعلام….