بقلم الدكتور إسماعيل فيلالي
في ظل الاختيارات اللاشعبية التي تحكمت في إدارة الشأن العام بالمغرب على مدى سنوات عديدة، تعمقت في بلادنا مظاهر الفساد بمختلف أصنافه وألوانه، وعلى رأسها الفساد المالي والإداري؛ حيث تكونت لوبيات خطيرة اغتنت بسرعة فائقة بنهب المال العام والاستحواذ على كل الموارد المالية المخصصة لتسيير القطاعات الإنتاجية بالبلاد، وفي هذا الصدد، فقد أصبح للفساد في المغرب مؤسسة قائمة ومكتملة الأركان، ولها أبطال بكل ما في الكلمة من معنى، لقد أصبحوا يعيثون فسادا في البلاد بما يملكونه من أموال وأراضي عقارية وعمارات سكنية وضيعات فلاحية، وأرصدة بنكية في الداخل والخارج؛ والحقيقة أنه ما كان لهم أن يكونوا على هذا المستوى من الثراء الفاحش لو لم تكن لهم حماية فوقية تملك النفوذ السلطوي والإداري، وهذا ما جعل أبطال الفساد على علاقة متينة ومصلحية مع الدوائر الحكومية الرسمية التي فتحت لها الأبواب لتصول وتجول كيفما تريد في نهب أموال الشعب، وتتصرف كيفما تشاء دون حسيب أو رقيب.
واليوم يتساءل المغاربة، من الشمال إلى الجنوب، ومن الغرب الى الشرق، بعد الدستور الجديد (2011) الذي ربط المسؤولية بالمحاسبة، أي بعد مرور ما يزيد على 10 سنوات، ماذا فعلت الحكومات المتعاقبة للحد من هذا الفساد وبطش المفسدين؟
فالملاحظ أنه فيما يتوجه المغرب نحو دولة الحق والقانون والمساواة والعدالة الاجتماعية والنزاهة، حسب منطوق دستور المملكة، واختيار نموذج تنموي جديد للرفع من مستوى عيش المغاربة، وخاصة المستضعفين منهم الذين لاحول ولا قوة لهم، يعاكس هؤلاء المفسدون الحلم الإصلاحي بسلوكياتهم الانتهازية؛ وهنا يطرح السؤال حول ما إذا كان من الممكن تدشين التغيير وتحقيق الأهداف التي يطمح إليها النموذج التنموي الجديد الذي تم تقديمه لجلالة الملك في شهر ماي 2021 ؟؟؟
الأمر لا يتعلق، إذن، بانتقاد مجاني، ونقد من أجل النقد، بل الأمر يتعلق بطموح عال، وحب كبير للوطن، ومرحلة جديدة ينبغي ألا يكون فيها مكان أو نفوذ لهؤلاء المفسدين الذين أساؤوا للمغرب والمغاربة. والحقيقة أن رموز الفساد في المغرب أسماؤهم معروفة لدى المغاربة، لأن ذاكرة المغاربة ذاكرة حية غير مثقوبة، ومعروفة كذلك لدى أصحاب الوقت، وهم يأكلون أموال المغاربة بشكل سرّي وموجودون في جميع القطاعات… والمواطنون لا يمكن أن يلمسوا التغيير مع هذه الوجوه الفاسدة المتعفنة التي ستقاوم كل تغيير أو تطور أو إصلاح تنموي….
المواطنون يتطلعون في ظل مشروع النموذج التنموي الجديد إلى تغييرات ملموسة في السياسة والاقتصاد وإقرار العدالة الاجتماعية التي هي الحلم الأكبر لكل المغاربة الذين يعانون من كثرة التهميش وضنك العيش؛ لذلك فهم يبحثون عن رجال يتوفرون على المصداقية والنزاهة وعلى الثقة، أما رموز الفساد فلن يزيدوا البلد إلا فسادا، ولن ينجح معهم أي نموذج تنموي، ولو صيغ بمداد من ذهب، لذلك وجب إصلاح القضاء وإقامة العدل والقضاء على كل الفساد المستشري في المجتمع، وترسيخ مبادئ التخليق والشفافية والنزاهة القانونية والحقوقية لإشاعة الطمأنينة في نفوس المواطنين من جهة، والارتقاء بالمجتمع إلى مصاف الدول الديموقراطية من جهة أخرى، لأن الديموقراطية هي أرقى اشكال الحضارة كممارسة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية على أرض الواقع….
والمثير للدهشة والاستغراب هو أن اللجنة تقترح تمويل النموذج التنموي الجديد باللجوء إلى الاستدانة! وهذا ما سيجعل البلد يغرق في المديونية، سواء المديونية الخارجية أو الداخلية، التي تجاوزت 100 في المئة من الناتج الداخلي الخام، وقد بلغت الديون الخارجية للمملكة 337 مليار درهم… ومن تم يطرح السؤال أي نموذج تنموي هذا الذي سيعيدنا إلى التبعية للمراكز المالية العالمية؟؟؟
إن الحل هو أولا وأخيرا واليوم وليس غدا: هو اقتسام ثروة الوطن بين أبناء الوطن. وذلك بتخصيص رواتب شهرية من خيرات البلد لكل الأسر الفقيرة، لكي نجيب بسرعة عن انتظارات المغاربة الذين ملّوا من كثرة الكلام والحبر على الورق… وهذا ما سيفتح أفاقا جديدة لطموح المغاربة في العيش الكريم، وبالتالي تعزيز دولة الحق والقانون والإيمان حقا بقيم المواطنة…. هذا هو المدخل الأساسي لإنجاح النموذج التنموي الجديد؛ والباب الحقيقي للاستقرار المجتمعي الذي يضمن الكرامة للجميع في أقرب الآجال…