الرئاسة ليست امتيازا أو فرصة للاغتناء

بقلم: عبد المنعم سبعي

ثمة سؤال يتكرر طرحه في كل مناسبة تقييمية لأداء المنتخبين، ومضمون هذا السؤال يحاول مقاربة موضوع أي الرؤساء أكثر نجاعة في مهامه، هل الرئيس الذي يملك سيرة ذاتية مليئة بالشهادات والدرجات الأكاديمية العالية؟ أم ذاك الرئيس الذي يتوفر على رصيد مهم من العمل السياسي والخبرة في التواصل مع المواطنين والموظفين واللجن المساعدة؟

وبالرغم من عدم وجود أي إجابة قطعية يمكن أن تمثل قاعدة متفق عليها فإن الذي لا خلاف حوله هو أن منصب الرئيس المنتخب منصب سياسي فى المقام الأول، وفى السياسة تبقى إلى الأبد مقولة “السياسة هي فن الممكن ” تتميز بالصدق والمطابقة للواقع،  ومعنى ذلك أن السياسي يدرك ـ بحسه ـ ما هو في الإمكان فيسعى إلى تحقيقه وما هو غير ممكن فلا يتورط في البدء فيه قبل أن تتهيأ الظروف التي تجعل منه أمرا ممكنا وقابلا للتحقيق. وأفضل رجال السياسة هو المنتخب أو الرئيس الذي يفحص الأمور المعروضة عليه بعناية بعد أن يستمع لرأى التقنيين والمتخصصين،  ثم يتخذ القرار الصائب الذي لا يرهق ميزانية الجماعة أو المجلس الذي يرأسه.

والذين ينحازون إلى أفضلية الرئيس السياسي يتذرعون بأنه يتميز عن منافسه الأكاديمي بقدرته على رؤية الصورة بشكل أشمل، ويرى بعين السياسي المحنك المشاريع الأكثر مردودية للمدينة أو الجهة التي يرأسها، وبالتالي فهذا الصنف من الرؤساء يكون قادرا على قياس درجة حرارة الرأي العام بترمومتر يمكنه من إجراء تقويم صحيح لقوة الرأي العام واتجاهاته تجاه أية قضية قبل حسمها! كما لانشك في أن الرئيس الأكاديمي عندما يدخل إلى مقر المجلس الذي يشرف عليه فإنه يدخله متسلحا بسلاح العلم والمعرفة وإجادة فهم وتفسير الأرقام والإحصائيات وهذه كلها مميزات لا ينكر قيمتها وأهميتها أحد، ولكن التجربة أثبتت أن هذه الخبرة الأكاديمية يمكن أن تتوافر للمجلس عن طريق روافد عديدة تمثل تنوعا فريدا للخبرة الأكاديمية من خلال المصالح التقنية  ومراكز البحث العلمى والجامعات والمؤسسات العلمية العالية، ولعل أهم ما يؤخذ على الرؤساء والمسؤولين الذين يتميزون بحس أكاديمي أنهم ينفقون معظم أوقاتهم في رسم الخطط  والاسترخاء في ظلال المنشورات والكتب بحثا عن التناسق النظري والتفلسف القانوني، الأمر الذى يستنزف جهد الرئيس ووقته بعيدا عن مهمته الأساسية فى الإنجاز والتطوير وقيادة فريق العمل.

وبعيدا عن مواصلة السباحة فى بحيرات الأكاديميين أو بحور السياسيين فإن ثمة عوامل مشتركة تؤدي إلى فشل وتعثر الرئيس المنتخب في إنجاز مهامه على الوجه الأكمل بصرف النظر عما إذا كان أكاديميا أو سياسيا … فليس هناك ما يهدد نجاح أي منتخب سوى الغرور والنرجسية في الشعور بالذكاء والتفوق على الأقران والمنافسين، لأن ذلك يفرز أجواء مسمومة تتجاوز المنافسة وتهيئ لصراعات باردة ومدمرة خصوصا أن أغلب هذه الصراعات تتحول إلى ضرب تحت الحزام. وتنتهي بالمكاشفة على صفحات الجرائد ووسائل الإعلام الأخرى.

وقبل هذا وذاك فإن الرئيس المنتخب سياسيا كان أو أكاديميا يخطئ طريق النجاح وتفويت فرصة التنمية على جماعته ومدينته وجهته إذا تصور أن الأمر مجرد امتياز وأبهة وصولجان، وتجاهل الحقيقة الأساسية وراء انتخابه وتكليفه في أن يسعى لتحسين أحوال الذين وضعوا ثقتهم فيه وصوتوا عليه وليس تحسين أحواله الشخصية ومن يحيطون به فقط !

وبعيدا عن التصنيف السياسي والأكاديمي فإن الرئيس الناجح هو الذي يعي أن الرئاسة ليست امتيازا أو فرصة للاغتناء وإنما هي مسئولية وأمانة، ويوم القيامة خزي وندامة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أهم ما جاء في النشرة الإنذارية للمديرية العامة للأرصاد الجوية