عبد القادر كتــرة
دأبت الجمعية الشرقية للتنمية بوجدة المدينة الألفية، تنظيم مهرجات سنوية للاحتفال ب”البلوزة الوجدية” والتعريف بها توقفت بسبب جائحة “كورونا”، بحضور فعلي لعدد كبير من الصناع التقليديين والصانعات الماهرات، بالإضافة إلى الضيوف الأفارقة، وكذا حضور الجمهور الوجدي الوازن الذي يحج بكثافة لتخليد الحدث الذي تتميز به المدينة والجهة.
وكانت التظاهرة الحرفية والثقافية الكبرى تتميز بلقاءات بين العارضين والحرفيين والزوار، وإقامة عرض للأزياء التقليدية والعصرية، وعقد ندوات فكرية حول إسهام البلوزة في ترسيخ التفاعل والتقارب الثقافي الإفريقي، بمشاركة أساتذة وباحثين ومهتمين بفن الخياطة واللباس التقليدي والعصري، وبحضور وازن لبعض المصممين من وجدة وباقي مدن الجهة ومن خارج الوطن.
الجمعية من وراء هذه التظاهرات تسعى إلى الإسهام في رد الاعتبار للصانعات التقليديات المتخصصات في تصميم وحياكة البلوزة، وتأطيرهن في إطار تعاونيات حتى لا تندثر صناعة البلوزة بجهة الشرق، وأضافت أن من خلال هذا الحدث تم الانفتاح على الصناع التقليديين بالقارة الإفريقية وتم تعريفهم بهذا الزي العريق، لاسيما من خلال عروض الأزياء التي نظمت بالموازاة مع هذه التظاهرة.
لطيفة منتبه رئيسة جمعية “الشرق للتنمية” أكدت في الحفل الإختتامي للنسخة الثالثة لمهرجان “لبلوزة”، أن هذه التظاهرة الثقافية والحرفية التقليدية، هي بداية الاحتفاء بموروثنا الثقافي اللامادي، و الذي تزخر به المدينة الألفية- وجدة، فالمهرجان في حد ذاته فرصة لرد الاعتبار لهذا الموروث الذي بدأ يندثر شيئا فشيئا، والمتمثل في اللباس التقليدي للوجديات، وإن لم نقل لجميع نساء المنطقة الشرقية.
وبخصوص الجانب التاريخي والجمالي للبلوزة الوجدية، أضافت منتبه أن التظاهرة تعكس عمق الروافد الثقافية والإبداعية للمرأة في جهة الشرق منذ القدم، وما الوثائق التاريخية والصور القديمة الملتقطة باللونين الأبيض والأسود إلا دليل على عراقة هذا الإبداع “لبلوزة”، ضف إلى ذلك أن التأثير الجيوغرافي المتجلي في حياتنا اليومية، يعكس تاريخ حياة الوجديين إن على مستوى اللباس والطعام والعادات والتقاليد وغيرها، وأضافت منتبه “أننا نفكر مستقبلا أن تصبح هذه التظاهرة الحرفية التقليدية السنوية، حدثا دوليا متفردا، بعدما كان تفكيرنا منصبا على أن يكون مغاربيا، تحضره مختلف الدول المغاربية كالجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، لتشابه اللباس وفن العيش بهذه البلدان وتطورهما عبر قرون خلت”.
جدير بالذكر، أن لِفن “البلوزة” و”الحايك” بوجدة والجهة، حسب ميلود بوعمامة الباحث والمهتم بتقاليد الجهة الشرقية، خصوصية ثقافية وإبداعية متفردة ومتجذرة في تاريخ شرق المغرب، وهذه الخصوصية تختلف بشكل كبير عن باقي المدن المغربية الأخرى، وذلك بحكم البعد الجيوغرافي للمنطقة مع الأشقاء الجزائريين الذين نشترك وإياهم في عدد من الخصوصيات التي أملتها العوامل التاريخية وحسن الجوار وروابط المصاهرة.
وأضاف أن هذا انعكس على مستوى الأزياء التقليدية أيضا، بالإضافة إلى الأكلات الشعبية، والعادات والتقاليد المتوارثة أبا عن جد، وهذه الأبعاد شكلت عبر الزمن تلك الخصوصية المشتركة، إذ ساهمت بشكل كبير في إشاعة هذا اللباس التقليدي (الحايك) كغطاء لجسد المرأة، و”البلوزة” مثل زي يلبس في البيت في المناسبات التقليدية العامة والخاصة، وأصبحت له أهمية كبرى منذ القرن الماضي إلى يومنا هذا، خاصة عند الوجديات والجزائريات واليهوديات والموريسكيات اللائي كُنَّ يَقْطُنْنَ المدينة الألفية وجدة.
من جهة أخرى، عاش آلاف الجزائريين لاجئين بمدينة وجدة إبان الاستعمار الفرنسي الذي احتل الجزائر لأزيد من 130 سنة والتي كانت تعتبرها مقاطعة فرنسية، بعد احتلالها من طرف العثمانيين لأكثر من 3 قرون، وتأقلم الأشقاء الجزائريون مع عادات وتقاليد المدينة الألفية والجهة الشرقية والمملكة المغربية الشريفة وأخذوا منها العديد من الصناعات والحرف في شتى المجالات أهمها الألبسة النسائية والرجالية والطبخ والغناء والموسيقى والشِّعر البدوي وشعر الملحون والموسيقى الأندلسية، كما تجدر الإشارة إلى أن وجدة المناضلة كانت قاعدة للمجاهدين الجزائريين وثكنة لقياديهم فيما يعرف ب”جماعة وجدة” التي كان تقلد أغلب أعضائها مسؤوليات قيادية كبيرة، منها رؤساء ووزراء…
لكن ما يحِزُّ في النفس أن الأشقاء الجزائريين، بمجرد منحهم الاستقلال من طرف الرئيس الفرنسي “شارل ديغول”، دأبوا على السطو وسرقة كلّ ما هو مغربي ونسبه إليهم في محاولة لكتابة تاريخ مزور وملفق بحثا عن هوية وهمية إذ لم تكن في ما سبق أمة ولا دولة إلا من صنع فرنسا كما أكد ذلك الرئيس الفرنسي “إمانويل ماكرون” خلال استقباله لعدد من الشبان الفرنسيين من أصول جزائرية، مع العلم أنه لم يكن لهم تاريخ ولا هوية إلا ما تركها لها الاحتلال العثماني والاستعمار الفرنسي، لغة وعادات وتقاليد ولباس..، بل منهم من “تفرنس” حتى أضحى يحارب من أجل بقاء فرنسا في الجزائر.
آخر ما تمّ السطو عليه هو الباس النسائي الوجدي “البلوزة” والاستحواذ على أصلها بصفة كُلّية واعتبارها جزائرية محضة خُصص لها 24 دجنبر يوما وطنيا. وما كان لهذا المقال أن يكون لو أن الأشقاء الجزائريين اكتفوا بالقول أن هذا اللباس مشترك مشهور في الغرب الجزائري والشرق المغربي مثله مثل موسيقى “الراي” والأغنية البدوية التي كان ينتقل بها الشيوخ من الجهة الشرقية للمملكة الغربية الشريفة والغرب الجزائري إبان الاستعمار الفرنسي وبداية حصول الجزائر على استقلالها.
نشرت إحدى وسائل الإعلام الجزائرية أن “البلوزة الوهرانية لباس تقليدي خاص بالمجال الجغرافي الذي يشمل الغرب الجزائري بما فيه القطاع الوهراني بالجزائر، ظهرت في القرن السادس عشر وهي تمثل عراقة وهوية المرأة بالمنطقة. يعتقد أن البلوزة الوهرانية في الأصل مستوحاة من الشدة التلمسانية والتي كانت تدعى قديما بلوزة سيدي بومدين، ومع الوقت استوحى منها لباسا خاصا، انتشرت البلوزة الوهرانية في الجزائر كلها وبمنطقة وجدة المغربية.”
وزاد أن البلوزة الوهرانية تطورت عما كانت عليه سابقا وأصبحت بشكل تتمنى كل امرأة ارتدائها حيث تفننت مصممات الأزياء في الجزائر على تطويرها مما جعلها مفضلة عند الكثير من النساء ووصل صداها حتى خارج الجزائر، ولاتزال البلوزة الوهرانية تعرف رواجا في السوق والمحلاّت الموزعة على مستوى تراب ولاية وهران إذ وبالرغم من مرور السنوات والأعوام.
وبقيت المرأة الوهرانية خاصة والتي تقطن بالولايات المجاورة عامة كغليزان، سيدي بلعباس، عين تموشنت، مستغانم، معسكر تعطي لهذه البذلة الأهمية التي تستحقها، لاسيما وأنّ هذه الأخيرة تترجم عادات وتقاليد هذه الجهة الغربية من الوطن، علما بأنه ولكل ولاية عاداتها الخاصة التي تتشبث بها، سواء تعلق الأمر بمجال الصناعات التقليدية المتمثلة في زراعة الحلي، الزرابي، أو الأواني الفخارية فضلا عن الألبسة.