قاسم حدواتي
أصبحت الإشاعة من الكوارث الاجتماعية، والأمراض الخبيثة التي تسرطن النفوس، و تزلزل أمن المجتمعات البشرية، لا سيما في الوقت الحالي، حيث تطورت وسائل التواصل و النشر، فبعد أن كان صناع هاته الآفة يقتصر على أفراد ومجاميع لا شغل لهم (قلة ما يدار)، فقد أصبحت تصدر من أناس سبق أن وضعت وتضع فيهم الساكنة كل ثقتها، وذلك لغاية في نفس يعقوب، أو كرد فعل عن البغض والحقد الذي يكننوه تجاه الأخر، وبذلك تمكنت الإشاعة أن تبلغ الآفاق في لمح البصر، عابرة لكل الحدود و الحواجز.
المنافقون واليهود هم صناع الإشاعات ومخرجي أفلام الإفك، و مسرحيات الكذب والزور في كل زمان ومكان، فبجهل الناس لمضامين الإشاعات، أغراضها، و أساليبها يقع المجتمع في شباك السفهاء، المفترين، والخداع الأفاكين، لتتولد مفاهيم و قناعات منبعها الإشاعات، صادرة على جذاذات علمية، أو أخبار سياسية، وفي باطنها إرادة لزرع قناعات و رأي عام حول قضية ما.
فحتى السنة النبوية لم تكن بمنأى عن معالجة هاته الآفة، وجاء ذلك في السنة القولية والعملية، في ماتيسر من الأحاديث والآثار التي تناولتها، مع الإشاعات خلال العهد النبوي، و لدراسة مصادرها و أغراضها، وسبل الوقاية من تأثيرها، لا بد لنا اولا، أن نعرف بمفهوم الإشاعة لغة واصطلاحا، ففي اللغة تعني المتابعة، عدم المفارقة، الانتشار الذيوع، التفرقة، الاستطارة والانتشار، واصطلاحا فهي، النبأ المجهول المصدر،
غالبا ما تكون الإشاعة سريعة الانتشار، بطابع استفزازي أو هادئ حسب درجة سفاهة صاحبها، وقد قال ابن القيم رحمه الله في هذا الباب، “… والله أعلم، لما في لفظ الشيعة من الشياع والإشاعة، التي هي ضد الائتلاف والاجتماع، كما في السنة النبوية الوعيد الشديد في حق الكذب عموما، وفي حق السفهاء منتجي الإشاعة على وجه الخصوص، وذلك لما تحمله من آثار سلبية على الفرد والمجتمع، كما جاء كذلك في صحيح البخاري، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم، “رأيت الليلة رجلين أتياني، قالا؛ الذي رأيته يشق شدقه فكذاب، يكذب بالكذبة تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به إلى يوم القيامة” فالعقوبة التي تلازم هذا الصنف من البشر، هي مدة حياة البرزخ التي لا يعلم أمدها إلا الله، وهو دليل على عظم الجرم الذي اقترفه، من تزوير الحقائق، زعزعة الأمن، إثارة الشكوك، تأجيج الفتن والصراعات، وغيرها من الكبائر.. التي يهدف إليها ذوي العقول المريضة والقلوب الحاقدة.
ناقل الأخبار الكاذبة والإشاعات المغرضة، يعتبر كشاهد الزور، ففي صحيح مسلم عن حفص بن عاصم قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، “كفى بالمرء كذبا،أن يحدث بكل ما سمع”، حيث كان في عهده صلى الله عليه وسلم، فئات من من المنافقين، أهل الباطل، و اليهود، يتربصون المجتمع المسلم، لتعريضه إلى بوابل من الإشاعات و الافتراءات، قصد بث التفرقة، والحد من عزيمة المؤمنين، وإلقاء الحيرة في قلبهم، فهم يحاولون تلفيق الأخبار، وتقليب الحقائق، و استغلال الأحداث لإثبات باطلهم، ومن الملاحظ أنهم قد يستغلون الحقائق الواقعة بتفسيرها حسب أهوائهم، وتوظيفها في إطار أهدافهم ومقاصدهم، وكذا لصرف الناس عن الحق البين والواضح، صدهم عن الحق، وصرفهم عن السماع، لأنهم يعرفون أن للحق سلطة على النفوس، فيلجأون إلى تلفيق الأخبار، وفبركة الشائعات، ليلفتوا انتباه الناس عن الحق والهدى، لكنهم لا يعلمون أن الحق نافذ إلى النفوس، مهما حاولوا إثارة الشائعات حوله، وفي هذا الصدد جاء في صحيح مسلم عن أبي ذر الغفاري، “قلت لأنيس: ما يقول الناس؟ قال، يقولون شاعر كاهن ساحر، وكان أنيس أحد الشعراء. قال أنيس، لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فما يلتئم على لسان أحد بعدى أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون”.
ومن التدابير والأساليب التي استخدمها سيد الخلق، صلى الله عليه وسلم، في التعامل مع الإشاعات، من خلال ما جاء في السنة النبوية، التبين و الاستيضاح، خصوصا مع أصحابه، تحت شعار:”ما حديث ما بلغني عنكم” رواه البخاري، وكذلك التحلي بالصبر، الثبات، استجماع الرأي، استشارة العقلاء، عدم الالتفات إلى الشائعات، الاستمرار في نشر الحق وإيضاح الدعوة للخلق.