د. توفيق عزماني: جامعة محمد الأول
من البديهي أن يتساءل الإنسان السوي عن مصير أبنائه بصفة خاصة وأبناء الأمة بصفة عامة، وذلك من خلال مراجعة جملة القرارات التي يعرضها المسؤولون في إطار تدبيرهم اليومي للشؤون العامة على المجتمع سواء اقتراحا، تقريرا أو تنفيذا.
وقد أثار انتباهي في الآونة الأخيرة نقاش أعتبره من الجدية بما كان ليسترعي منا الوقوف عنده مليا لاستنباط الخلاصات والعبر. نقاش حول بناية يتم تجهيزها لاستقبال نواة جامعية بمدينة بركان اختلفت حولها الآراء والطروح وتجاذبتها أطراف السياسة وآراء المهتمين بالتعليم العالي من أبناء المنطقة.
ومن خلال مراجعتنا للدفوعات الشكلية والموضوعية التي يجتهد كل طرف في الدفاع عنها نجد أنفسنا أمام أسئلة أكبر من أن تختزل فيما هو مبرمج لما ستحتويه البناية. أسئلة من قبيل:
- ما طبيعة المستقبل الذي ترتضيه لأبنائنا؟
- كيف يمكننا رفع تحديات ورهانات العصر؟
- من أين نبدأ؟
- ما هي الوسائل الآمنة والمضمونة لبلوغ المبتغى؟
- …
إشكالات وأخرى تسائل العقل والمنطق السليم وتفرض على الساسة والمهتمين التحلي بالحكمة اللازمة لتقديم إجابات مناسبة تراعي المصلحة العامة في المطلق، آخذة بعين الاعتبار الإجابات المتفق حولها على ما سلف من الأسئلة.
قال الإمام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -: “الوَاجِب تَحْصِيلُ المصالح وتكميلها؛ وتعطيل الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِها؛ فَإِذَا تَعَارَضَتْ، كَانَ تَحْصِيلُ أَعْظَمِ الْمَصْلَحَتَيْنِ بِتَفْوِيتِ أَدْنَاهُمَا وَدَفْعُ أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ مَعَ احتمال أدناهما: هُوَ الْمَشْرُوعَ.
وتحصيل المصلحة في هذا الأمر يستوجب منا الاتفاق مبدئيا حول المآل الذي نسعى الى تحقيقه من خلال هذه المنشأة الجامعية، أهي تحقيق المنفعة الآنية من خلال تقريب الجامعة من الطلبة ورفع معاناتهم مع التنقل وظروف متابعة الدراسة وخفض عبء التكلفة المادية لها على الأسر. أم استهداف المصالح المرجوة على المستوى المتوسط والبعيد من خلال تكوين جامعي متخصص يستجيب في هندسته التربوية ومخرجاته لمتطلبات الحاضر والمستقبل.
وأجدني صراحة، وان كان بريق الطرح الأول أقرب الى قلبي باعتبار انشغالاتي الاجتماعية، يستهوي عقلي أكثر الطرح الثاني الذي يراهن على المستقبل وان كان علينا التضحية ببعض المكتسبات الممكن تحصيلها من خلال مؤسسة جامعية متعددة التخصصات. وذلك من باب تَحْصِيل أَعْظَمِ الْمَصْلَحَتَيْنِ بِتَفْوِيتِ أَدْنَاهمَا.
ولا مجال هنا للمزايدات أو لاستعمال لغة الخشب ففكرة الابداع تفوق بمراحل مجال التنزيل الضيق التي يروق للبعض قولبتها فيه. فالتحديات كبيرة والرهانات أكبر ولا مجال للخطأ في القرارات المصيرية.
نحن نؤمن بجامعة فعالة، مشعة، مؤثرة في واقعها فتصبح قاطرة للتنمية الحقيقية. وهنا نقترح التخصصات المستقبلية التي ان أحسنا إنتاجها يمكن أن نضمن لبلدنا الحبيب الريادة الفعلية على المستوى القاري والدولي كذلك. فكفانا من التباكي على الاطلال وجلد الذات وإلقاء المسؤولية على الآخر فكلنا مسؤولون وعلينا تحمل هذه المسؤولية بكثير من الإخلاص والإيمان بالتغيير الايجابي.
وجب الاشتغال اذن على إمكانية الاستقطاب المفتوح لمثل هكذا تخصصات والاجتهاد في الإصلاح لتجاوز الصيغة الحالية للجامعة المغربية التي تعرف اليوم انتكاسة عميقة جعلتها متجاوزة على كل المستويات.
أما آن الأوان أن نعيد الأمل إلى شبابنا ونبث روح الابداع فيهم لمواجهة المستقبل؟
والله تعالى أعلى وأعلم.
