يا من أوصلتم الجهة الشرقية إلى هذا الحضيض …. ألا تستحيون؟

بقلم: عبد المنعم سبعي

ما تعيشه مدينة وجدة والجهة الشرقية من جمود اقتصادي وتراجع على كافة الأصعدة، يدفع بنا حتما مساءلة المنتخبين والمسؤولين عما قدموه للمدينة والجهة من عمر تدبيرهم للشأن المحلي والجهوي بهذه المنطقة، ما هي جهودهم في الحفاظ على ما دشنه وأشرف عليه صاحب الجلالة؟ ألم يوفر صاحب الجلالة بمشارعه العملاقة أرضية خصبة لإقلاع اقتصادي مهم وتنمية لا تقبل القهقرة والتراجع؟ ألم يكن حريا بمسؤولينا إبداع أشكال من التدخلات واختيار أنجع المدخلات؟ أين شعار ستراسبورغ المغرب العربي؟ أين وعود تحويل شاطئ السعيدية إلى قبلة سياحية مهمة؟ كل شيء تراجع وتبخر وبقيت الجهة تشكو عللها للواحد القهار، مادام مسؤولوها ومنتخبوها فضلوا لفترات طويلة الانزواء جانبا كأنهم عينوا بهذه المنطقة لإطفاء كل جذوة أمل أو الاجهاز على كل حلم جميل.

أثارني تساؤل للنائب البرلماني عمر أعنان عن حزب الاتحاد الاشتراكي، عندما فجر بأسلوب ساخر الأسبوع المنصرم وجود جهة اسمها الجهة الشرقية، وعين موقعها بعبارة تقع “قبلة” كما كنا نقرأ في مخطوطات الملكيات العدلية عندما يتعلق الأمر بتحديد الحدود الجغرافية لأي بقعة أرضية، فضلا عن كونه تحديد يوحي بشرف الموقع أن لم يرق إلى صبغة القداسة لارتباطه بقبلة الصلاة التي هي الكعبة المشرفة، إنه تعبير عن مشاعر الإحساس بالغبن لما وصلت إليه الجهة الشرقية التي تحتاج في هذه اللحظات الفارقة والصعبة إلى مشاعر أعمق في التجرد وإنكار الذات كما تحتاج إلى صدق النوايا والاستماتة في الدفاع عن القناعات والطرق المنجيات، بحيث تصبح مصالح الوطن فوق كل الاعتبارات. وعندما يصل بنا القطار إلى نفق مظلم ونحن في رحلة سفر فلا ينبغي أن نتوقف مهما كانت الأسباب والدوافع، ولا ينبغي الاستعانة على دفع الظلام بأضواء الهواتف النقالة، بل ينبغي الاستمرار في المسير إلى أن يتم الخروج من النفق ومعانقة أنوار السماء من جديد، ومن هنا فإنني أعتقد أن جهة الشرق اليوم في حاجة إلى قرارات حاسمة خصوصا في مجال تشجيع الاستثمار وخلق فرص الشغل بعد الركود الذي لم يعد خافيا على أحد كان باحثا أو مهتما، وبعد استبعاد عاصمة الجهة من مباريات كأس العالم 2030، التي أدخلت ساكنة هذه الجهة في دوامة من اليأس لأنه عادة ما يستصحب اختيار المدن المستضيفة لمثل هذه التظاهرات الرياضية، تقوية البنى التحتية في مختلف المجالات وخلق فرص للشغل كما هو ملموس في بعض كبريات المدن المغربية التي حظيت بهذا الشرف، وإذا ما تم تغييب الملمح الاستثماري في أي مشروع فسيتوقف بنا القطار ونجد جهتنا أمام تحديات تتجاوز قدراتها على المواجهة ويضيع منا العمر والجهد دون أن نصل إلى شيء.

متأكدون أن سياسة جلب الاستثمارات تعد من أهم الآليات التي أصبحت تنحوها الدولة المغربية خاصة في ظل راهنية احتدام المنافسة بين الاقتصاديات المختلفة المتقدمة منها والنامية، ويمكن أن يكون الاستثمار استثمارا للرأسمال، أو استثمارا للشغل أو غيره، وترتبط مرونة أي نظام بمدى تفعيل التدابير التحفيزية الممنوحة للمستثمرين. فالمستثمر لن يقبل على أي مغامرة استثمارية في جهة ما، إلا إذا كان متيقنا من الضمانات والتشجيعات التي تمنحها هذه الجهة وتنفرد بها دون سواها، لذلك فإن اللعب على وتر الانتماء للجهة لجلب المستثمرين المقيمين بالخارج والمنحدرين من مختلف مدنها وقراها لن تأتي بأي نتائج، ما دام البعد الجغرافي عن المركز قائما والتحفيزات الضريبية الخاصة بالجهة منعدمة، وما دامت مراكز التسويق بعيدة… ولو كان الانتماء للجهة كافيا لجلب استثمار أبنائها لما فر منها المستثمرون السابقون الذين رحلوا إلى البيضاء والرباط وطنجة وأكادير ومدن أخرى تغنيهم من تكاليف إضافية مرتبطة باللوجستيك وارتفاع سعر البنزين بالجهة مقارنة بمختلف الجهات..

لقد عانت الجهة الشرقية منذ استقلال المغرب من قرارات مجحفة كرست مقولة “المغرب غير النافع” كعقيدة عصية التخلص من مدلولاتها لدى المسؤولين وصناع القرار، وظل اقتصادها يعتمد على الاقتصاد غير المهيكل ويشكو الاعتلالات والأسقام التي لا يمكن تجاوزها إلا بقرارات جريئة وصائبة وبنوايا صادقة لإخراج الجهة من غرفة الإنعاش، فجاءت المبادرة الملكية لتنمية أقاليم الجهة الشرقية التي أعلن عن خطوطها العريضة صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابه التاريخي بوجدة يوم 18 مارس 2003، فوضع هذا الخطاب كل الزيارات الملكية السابقة واللاحقة في سياقها الاستراتيجي والتنموي. لقد تضمنت الخطة الملكية مقاربة تنموية مندمجة، هدفها إعطاء دفعة قوية للحركة التنموية بهذه الأقاليم المحسوبة جغرافيا على الجهة الشرقية.. وما أن مرت بضعة سنوات على هذا الخطاب التاريخي حتى بدأ مواطنو هذه الجهة يحسون بالنقلة النوعية التي أعادت الروح لمدن هذه الجهة بفضل ما تم انجازه برعاية ملكية سامية، قد نتذكر كلية الطب والمستشفى الجامعي وحسناته على سكان المنطقة، وقد نتذكر الطريق السيار وجدة فاس وما ساهم به من ربح الوقت وضمان الراحة والسلامة الطرقية، وقد نتذكر مطار وجدة أنكاد، والمحطة السياحية بالسعيدية ومحطة مارتشيكا ومشروع ميناء الناظور غرب المتوسط، وقد نتذكر الخط السككي الناظور تاوريرت، فضلا عن عشرات المشاريع المهيكلة.. لكن مع كل هذه الجهود لا زال استقطاب الاستثمار وخلق فرص الشغل بعيد المنال بالشكل الذي يطمح إليه كل غيور على جهته، ولا يمكن التخلص من هذا الواقع المرير إلا بتضافر الجهود وصدق النوايا والقطع مع القرارات الارتجالية والإجراءات التي تتحكم فيها الحسابات الشخصية أو الحزبية أو المصالح العائلية..  لذلك كان على المسؤولين الجهويين والاقليميين أن يضعوا نصب أعينهم هذا الجهد الملكي الكبير ليحافظوا على رصيده الهام من المنجزات والحفاظ عليها والاسترشاد بالتوجيهات الواردة في الخطاب الملكي ليوم 18 مارس 2003، فيا من أوصلتم الجهة الشرقية ومدينة وجدة على الخصوص إلى هذا الحضيض استحيوا فقط من جهود صاحب الجلالة وأعيدوا البسمة لشفاه ساكنة هذه المنطقة وإلى الله المشتكى من هذا الضياع.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

انطلاق عمل الشركة الجهوية متعددة الخدمات -الشرق

إليكم الأولويات التي حددتها ولاية جهة الشرق لتسريع المشاريع التنموية