بقلم الدكتور إسماعيل فيلالي
قال عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب، في عرض داخل لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب في شهر نونبر 2020، إن الوضع الاقتصادي بالمغرب سيعرف مشاكل كثيرة في السنوات القادمة بسبب أزمة جائحة كورونا، حيث أصبحت تهدد مالية الدولة بكاملها، لأن الاقتصاد المغربي كما هو معروف لدى الجميع هش ويتأثر بشكل كبير بالصدمات والأزمات، مشيراً في ذات الوقت إلى انتشار هائل للقطاع غير المهيكل الذي يشغل 25 مليون نسمة من سكان المغرب…..
ولم يفت والي بنك المغرب أن يشير إلى بعض الحلول التي يراها مفيدة لإنعاش الاقتصاد المغربي، حيث دعا الى الرفع من جودة تنافسية المقاولات المغربية، وتغيير عقلية السياسيين ورجال الأعمال المغاربة الذين يلهثون وراء جمع الأموال وتكديسها، بل وتهريبها أيضا إلى المؤسسات البنكية الأوروبية، كما شدد على ضرورة محاربة الفساد والرشوة التي لم تعد طابو في العالم، داعياً إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة ومحاربة الفساد على أعلى مستوى بالمغرب من وزراء ومدراء المؤسسات العمومية والمقاولات، كما ينص على ذلك دستور المملكة المغربية.
ومن الأمثلة التي أعطاها الجواهري في ربط المسؤولية بالمحاسبة واقعة إدانة رئيسة كوريا الجنوبية، ثالث أقوى اقتصاد في العالم، بـ 24 سنة سجنا بسبب اتهامات بالفساد… ودعا جميع المؤسسات إلى الحرص على ترشيد النفقات وتمويل الأولويات… وهذا خطاب جديد لم يسبق لأي مسؤول مغربي من هذا الحجم أن صرح به. لقد رسم والي بنك المغرب صورة قاتمة عن الاقتصاد المغربي….
وهذا دليل على أن الأمور ليست بخير، وإنه إضافة إلى الهشاشة والفساد الإداري والمالي وانتشار الرشوة في جميع القطاعات، فإن تبذير المال العام أصبح سيد المرحلة، فبالرغم من اعتماد الحكومة على مستوى الخطاب سياسة التقشف المالي لتخفيف الآثار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن جائحة كورونا، وتقليص ميزانية التسيير والاعتمادات المخصصة للنفقات المشتركة، إلا أن البرلمان لم ينخرط في هذه الدعوات، غير آبه بدقة المرحلة الاستثنائية، فقد خصص مشروع الميزانية الحالية حوالي 30 مليار سنتيم لسداد أجور أعضاء مجلس النواب وموظفيه، أما تعويضات النواب البرلمانيين فستبلغ 17.42 مليار سنتيم في السنة القادمة، في حين ستصل تعويضاتهم عن استعمال السيارات الشخصية لحاجات المصلحة 262 مليون سنتيم، فيما تم تحديد ما اعتبر معاونة مؤقتة حوالي 600 مليون سنتيم.
وتحت اسم الدبلوماسية البرلمانية، يرتقب أن يكلف “السادة النواب” ميزانية الدولة ما يناهز مليارا ونصف مليار سنتيم، منها 636 مليون سنتيم للنقل والتعويضات عن المهام بالخارج، و 70 مليونا لكراء السيارات، فيما بلغت مخصصات الفندقة والإيواء والإطعام ومصاريف الاستقبال ما مجموعه 100 مليون سنتيم، وخصص لشراء الهدايا للوفود البرلمانية 50 مليون سنتيم، والاشتراكات في الهيئات الجهوية والدولية 540 مليون سنتيم… هذا دون احتساب حوالي ملياري سنتيم المخصصة لدعم الدولة لتقاعد الموظفين ومساهمة الخزينة في أنظمة الاحتياط الاجتماعي…
هذا باختصار، فمجلس النواب “ضمير الأمة؟” لا يزال يخصص ميزانيات ضخمة توزع دون رقيب أو حسيب على الفرق البرلمانية لصرفها على مكاتب الدراسات المحظوظة وغيرها من الامتيازات المالية… وهذه الفرق تحظى بحصانة مطلقة تجاه المراقبة وافتحاص المجلس الأعلى على للحسابات الذي لم يستطع منذ إحداثه أن يضع يده على هذه الأموال التي تصرف لها كل سنة…
دون أن ننسى تعويضات الوزراء وأعضاء دواوينهم التي تقدر بالملايير، والذي ينص عليه قانون تنظيمي تم إصداره في 2015، أقرته حكومة العدالة والتنمية، ولا أحد يجرؤ على الاقتراب من هذا الموضوع لأنه يتم في سرية تامة…
والكل يعلم أن جميع القطاعات الوزارية، بدون استثناء، والمؤسسات العمومية تعيش على وقع البذخ المالي، خاصة التعويضات الجزافية التي تسلب بالقانون، ناهيك عن الأموال التي تمر تحت الطاولة، خاصة تلك المرتبطة بالصفقات التي يستفيد منها أصحاب النفوس الضعيفة، والتي تقدر بالملايير، هي ميزانية ضخمة إذن تذهب إلى جيوب المسؤولين الكبار في زمن وباء كورونا وفي زمن يعيش فيه المغاربة بؤسا كبيرا، خاصة في العالم القروي…
وللخروج من هذه الأزمة الخانقة (النائمة)، لا بد من إرادة سياسة حقيقية وفعالة وناجعة لعقلنة مختلف النفقات الضرورية، والحد الفوري من كل النفقات التكميلية وغير الأساسية، من خدمات التنقل، وشراء السيارات، والإقامة، والإطعام، والبنزين، والاستقبالات، وتنظيم الندوات والدراسات غير الأساسية أو المستعجلة، وتجهيز المكاتب، والتعويضات الجزافية وتحويل كل الاعتمادات المالية الناتجة عن ذلك إلى صندوق التضامن الاجتماعي وإلى الحساب الخصوصي المحدث بتوجيه من الملك لمكافحة جائحة كورونا التي شابت صفقاتها هي الأخرى اختلالات مالية كثيرة ومثيرة للجدل، لا تزال تنتظر لجنة تقصي الحقائق لمعرفة مصير الأموال التي خصصت لها… وهذا ما سيوفر أكثر من 500 مليار سنتيم في السنة يستفيد منها أبناء الشعب الفقراء…
إن ارتفاع حجم الفساد والرشوة في مختلف مناحي الحياة العامة، سيعود بالمغرب إلى السكتة القلبية، وستكون له نتائج سلبية على مستقبل التنمية، إذ سيعرقل كل المشاريع والبرامج التنموية مهما كانت طموحتها. وإذا لم يتم تدارك الموقف، والضرب على أيدي المفسدين الذين عاثوا فسادا في البلاد، وربط المسؤولية بالمحاسبة كما ينص على ذلك دستور المملكة، فإن دار لقمان ستظل على حالها… وسيظل المغاربة ينتظرون الذي يأتي ولا يأتي…..