بقلم: الدكتور زهر الدين طيبي
هل يمكننا أن نحلم بانتخابات نزيهة؟ وهل يمكننا القطع مع كل أشكال الفساد الانتخابي؟.
مؤتمرات حزبية، وندوات خطابية، تراشق بالاتهامات، وتحالفات سياسية معلنة، وأخرى في طور الإعداد، وتحركات من طرف سياسيين للحصول على تزكيات الأحزاب للترشح، وصراعات داخلية من أجل هذه التزكيات، وختاما التشكيك فيما تبقى من مؤسسات الدولة. إنه المشهد العام الذي يعيشه الوضع الحزبي مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية، المقررة في يوم واحد خلال شهر يونيو المقبل. وفي المقابل لا زلنا ننتظر من الأحزاب المغربية برامج سياسية حقيقية لخدمة المواطن وتنمية الوطن، لأن الانتخابات هي دعوة إلى الاشتغال على الملفات الحقيقية، التي تهم المواطنين بدل تبادل الاتهامات، باعتبار أن الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي البداية الحقيقية لمسار طويل ينطلق من إقامة المؤسسات وإضفاء الشرعية عليها.
وبعيدا عن شخصنة العمل الحزبي، وصراع الزعامات، فإن الغائب في العمل السياسي المغربي هو استيعاب الهدف الأسمى من الانتخابات، والذي يرتكز على أساس أن تمثيل المواطنين أمانة عظمى على المنتخبين والأحزاب أداءها، سواء بالوفاء بوعودهم تجاه الناخبين، أو من خلال العمل على الاستجابة لانشغالاتهم الملحة، لأن المغاربة أصبحوا اليوم أكثر نضجا في التعامل مع الانتخابات، وأكثر صرامة في محاسبة المنتخبين على حصيلة عملهم. وهو تنزيل موضوعي لربط المسؤولية بالمحاسبة.
إن ما تعيشه الأحزاب المغربية، بما فيها تلك التي تفضل نعتها بالوطنية، ليس وليد اليوم.. إنما هو نتيجة لسنوات من التدبير غير الديمقراطي لشؤون الهياكل الداخلية.. وكل المنتمين لهذه الأحزاب يتحملون المسؤولية عن هذا الوضع ولو بدرجات متفاوتة.. فالقيادات لا تأتي من فراغ وإنما هي الخلاصة الموضوعية لتدبير الاختلاف داخل الأجهزة.. لا أحد سواء داخل الأحزاب أو خارجها يجهل دور الإنزال وصنع خرائط المؤتمرين، لكن الذي يساهم في تمرير ذلك هم المناضلون أنفسهم إما بالمشاركة أو بالصمت والمباركة أو بالنأي بالنفس عن الصراعات الداخلية.. ومن هذا المنطلق يحق لنا أن نتساءل عن كثير من القرارات الحزبية من قبيل القاسم الانتخابي وحذف لائحة الشباب وغيرها، في سياق الكثير من المعادلات الانتخابية التي تروم الربح في عدد المقاعد والظرف بإزاحة العدالة والتنمية من رئاسة الحكومة.
المؤكد، أن استمرار الفساد الانتخابي، وشراء الأصوات في سوق النخاسة الانتخابية، هو في معظم تجلياته أحد وجوه الأزمة العميقة التي نعيشها في تدبير الانتقال الديمقراطي ببلادنا، وضعف القدرة على قراءة التحديات التي تواجه الوطن في محيط إقليمي وجهوي مضطرب ومرشح لمزيد من الاضطراب والفوضى.
بعض الأحزاب المغربية شرعت في الحديث من الآن عن هجمات تتعرض لها، يراد منها هدم قيم المنافسة السياسية والانتخابية، وما يطمح له البعض من قتل للتعددية الحزبية والسياسية، والعودة إلى تنشيط تجربة الحزب الأغلبي، الذي لا يمكن توقع تبعاته الخطيرة على الديمقراطية والاستقرار ببلادنا.
قد يكون لكل حزب مبرراته، لكن لا مجال للتشكيك في القضاء والقضاء الدستوري الذي يعتمد على قرائن تثبت الإدانة والفساد الانتخابي المستشري في كل مراحل العملية الانتخابية من قبيل تسجيل بعض المكالمات الهاتفية للمرشحين التي تؤكد اللجوء لعمليات شراء الأصوات. صحيح أن المحكمة الدستورية ألغت نتائج انتخاب العديد من الأعضاء المنتمين لمختلف الأحزاب، فهل القضاء يكون نزيها عندما لا تمس مصالح الحزب، ولا يكون كذلك إذا أصدر قرارات وأحكام ضد منتخبيه؟.
إذا كان من الثابت أن الفساد الانتخابي ظاهرة يعرفها بعض المنخرطين في جميع الأحزاب لأنه لا يوجد حزب الملائكة وحزب الشياطين، فإنه يتعين التصدي لها بكل قوة حتى نتمكن من شق الطريق نحو الديموقراطية الحقة والابتعاد عن كل ما له علاقة بالأساليب الملتوية في سوق النخاسة الانتخابي، والقطع مع المال الحرام، وشراء الذمم لاستمالة الناخبين.
المؤكد، أن اشكالية تجديد النخب وتطوير الأداء الحزبي، قد تمددت اليوم حتى أصبحت عقدة عصية على الحل، لذلك يجد بعض الطامحين إلى مجد شخصي الطريق سالكة في كل مرة إلى تحقيق أهدافهم ومآربهم المريضة..
آخر الكلام، أن ما ينتظره المواطن من الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية المقبلة، هو ما يرتبط بالقضايا الاجتماعية كالتعليم والصحة والبطالة، إضافة إلى التحديات الاقتصادية، والسياسية والأمنية، باعتبارها تشكل أهم التحديات التي يواجهها المغرب. لهذا يبقى المطلوب ألا تكون المواجهة بين الأشخاص والزعماء، وإنما بين المشاريع الحزبية في دولة المؤسسات، لأن أي انزلاق للصراع بين الأشخاص خلال الفترة القادمة لن يكون في صالح السياسة المغربية وسيزيد من فقدان الثقة في العمل السياسي.