عبد العزيز داودي
منذ الإعلان عن تفشي جائحة كورونا، تسابقت، ليس فقط الدول العظمى، بل حتى النامية او السائرة في طريق النمو في آسيا وأمريكا اللاتينية، إلى تشجيع البحث العلمي والعمل على قدم وساف لاختراع لقاح يضع حدا للتبعات الاقتصادية والاجتماعية لفيروس كورونا، وبالتالي يساهم بشكل كبير في الحفاظ على الأمن الصحي للمواطنين.
وهكذا وبعد أن سارعت المختبرات العالمية في أوروبا وأميركا الشمالية إلى تطوير المختبرات، ورصد الإمكانات المادية واللوجيستيكية لتحقيق السبق العلمي والصحي في اكتشاف اللقاح، اتخذت الدول العربية موقف المتفرج، وأقصى ما استطاعت بعضها فعله هو المشاركة في التجارب السريرية للقاح، أما البعض الآخر، والذي له امكانيات مالية، تسابق إلى إبرام العقود مع الشركات المصنعة لتمكينها من اللقاح، بمعنى الغياب المطلق لموقف عربي موحد، ليس لمواجهة الجائحة فقط، وإنما لتقوية موقفها التفاوضي في عالم لا يعترف إلا بالأقوى ولا مكان فيه للضعيف.
والغريب في الأمر أن الدول العربية لها الامكانيات المالية والبشرية لتقوم بدورها على أكمل وجه، رغم هجرة أو تهجير الأدمغة إلى الخارج لتستفيد من خدماتها الدول العظمى، وليبقى مصير الدول العربية مرتبطا بمختبرات أوروبا وأمريكا.
ولا داعي في هذا الصدد لنذكر بالدور المحوري الذي لعبه العلماء والباحثون والأطباء العرب في أوروبا وأمريكا لمواجهة الجائحة، حيث سقط منهم الكثير وهم يؤدون واجبهم المهني في مستشفيات إسبانيا، إيطاليا، فرنسا، بريطانيا، أمريكا وغيرها… وباعتراف هذه الدول نفسها التي أكدت على أن الأطباء العرب في أوروبا كانوا دائما في الخطوط الأمامية لمواجهة كورونا، وكانوا يرفضون رفضا مطلقا، ولقناعتهم الدينية، إزالة آليات التنفس الاصطناعي عن المصابين وترك المريض يواجه مصير الموت، في تعاط إنساني مشهود له من قبل الأعداء قبل الأصدقاء.
يبقى إذن على الدول العربية أن تراجع مواقفها وخططها لحماية أمن مواطنيها وللاستفادة من دروس كورونا. فلا يعقل أن تبقى صحة العرب رهينة بما تنتجه مختبرات الغرب من أدوية ولقاحات، ولا يعقل أن تتظافر جهود أمريكا وألمانيا لتصنيع لقاح واحد هو فايزر، وتعجز بالمقابل الدول العربية في فتح الحدود لتسهيل حركة تنقل الأشخاص والممتلكات، ولا يعقل أن يسمح لفرنسي أن يترأس شركة موديرنا في أمريكا لإنتاج اللقاحات، وتكون بالمقابل بعض الدول العربية مطرحا لنفايات وأزبال الغرب، وللاستهلاك فقط او للاستغلال البشع للأيدي العاملة لدى الشعوب العربية.
الموقف العربي الموحد من الجائحة ومن غيرها يقتضي إذن احترام سيادة الشعوب على أراضيها،ونبذ كافة أشكال التجزئة والتفتيت والتجزيء والمساهمة في خلق كيانات وهمية تجسيدا لاتفاقية سايس بيكو السيئة الذكر، والتي جعلت من حدود الدول العربية قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة وحين. فكفانا تفرقة وتشرذما وكفانا معاناة! آن الاوان لتتحد الشعوب العربية بهدف الخلاص على الأقل من الأوبئة…