بقلم الدكتور إسماعيل فيلالي
1– قراءة في الشكل الطباعي لـ “مضارب الشقاء”:
– أ – غلاف المجموعة القصصية
خرجت الدراسات النقدية الحديثة عن التحليل النقدي الكلاسيكي القائم على الذوق الانطباعي أو المنهج البنيوي أو غيره من المناهج الأخرى، وأصبحت تعتمد في الكثير منها على الدراسات الحديثة المحيطة بما هو لغوي، وخاصة علم اللسانيات والسميولوجيا أو السيميائيات التي تهتم بالدراسات اللغوية والإشارات…. وقبل الخوض في غمار قراءة المجموعة القصصية “مضارب الشقاء”، نرى من المفيد أن نبدأ بالحديث عن الغلاف الخاص بها وسبر أغوار الصورة وتفكيك بنيتها، وكذا محاولة استكناه خبايا الرموز المكونة لها…
يشتمل الغلاف، كما هو ظاهر، على العنوان واسم الكاتب وصورته وصورة بانورامية للمنطقة…
والملاحظ في صورته الشخصية هو اختيار البدلة بالأسود والأبيض…؛ والحديث عن اللون الأبيض والأسود لا توجد له حدود، فهذان اللونان يدخلان في تفاصيل كل شيء في هذه الحياة. ويمكن لكل منهما أن يتواجد لوحده، ولكنهما غالبا متحدين في لعبة الضوء والظل التي لا يفلت منها أي كائن على وجه الأرض كما يقال… وقد تم التعامل مع الأبيض والأسود كلونين نقيضين وينظر إليهما كضدين طوال التاريخ البشري بكل ما فيها من ثقافات وحضارات، كان يتم الرمز بهما للخير والشر، والليل والنهار، والعدل والظلم، والسعادة والحزن، والغنى والفقر، والكراهية والحب، بل والحياة والموت أيضا، فما هو جميل يرمز له بالأبيض، والقبيح يرمز له بالأسود.
لكن رغم كل تناقضاتهما فهما يكملان بعضهما البعض، فلا نهار بدون ليل ولا ضوء بلا عتمة، ولا ظل بلا شعاع، ولا سواد مطلق ولا بياض مطلق….. وظلت هذه الثنائية المتضادة يضرب بها المثل حتى بالنسبة لقلوب بني البشر، فالشخص الكريم الصالح والمحب والمؤمن، يقال له صاحب القلب الأبيض، والشخص البخيل والشرير والظالم فيقال له صاحب القلب الأسود.. ونقول الأيام البيض والأيام السود، والأحلام البيضاء والأحلام السوداء، وقس على ذلك؛ التاريخ الأسود والأبيض، والصفحة البيضاء والسوداء؛ نعم، في البدء كان الأبيض والأسود، ولا وجود لأي منهما من دون الآخر، بل هما متلازمان أولا وأخيرا وإلى الأبد….
لذلك كان للأبيض والأسود عند الكاتب عبد القادر بوراص خلفية ودلالة خاصة، وربما من حيث لا يدري، فهو يريد إثارة انتباه المتلقي من خلال النظرة الأولى إلى حالته الاجتماعية بعد كل هذا الشقاء الذي عاشه في زمن الطفولة والشباب. فصورته ترمز إلى الأناقة التي أصبح عليها، ويظهر ذلك من خلال البدلة الأنيقة التي يرتديها، والتي اختار لها الأسود والأبيض التي تزيده بهاء، وفي هذا دلالة مهمة تخدم معرفة واقع الكاتب (السعيد) الذي لم يعد يعيش حالة الشقاء كما حكاها لنا في مجموعته القصصية، والرمز موزع ما بين صورة الكاتب والمدينة، كما أن وجود صورة المدينة يرمز إلى استمرارية الحياة البشرية في مدينة أحفير، رغم المآسي والأحزان التي عاشها أهل المدينة في الزمن الماضي، واجتماع الصورة الخاصة للكاتب والمدينة في غلاف الرواية دليل على وجود هذه العلاقة الحميمية التي تربط بين الكاتب ومدينته إلى يومنا هذا…
وعموما، فإن الغلاف لوحة فنية تبرز كل معالم الحنين إلى زمن الشقاء (الأسود) الذي يتم استرجاعه في زمن الفرح (الأبيض) من برج عاج، هو برج الأناقة والاطمئنان والراحة والنقاء والمختلف عن زمن الشقاء الذي يناقض العنوان.. لأنه حينما تقرأ مضارب الشقاء وتنظر إلى صورة الكاتب، فأنت تبقى بعيدا عن غرفة النص التي تحوي أوجاع وهموم ساكنة أحفير الجماعية… وهذا ما سنتعرف عليه بعد الغوص في أعماق العمل القصصي وفهم مضامينه، حيث يمتزج الشقاء بالفرح…
وبما أن الكتاب المتناول هو مجموعة قصصية إبداعية، على حد تعبير الكاتب، فلا شك أن صورة الغلاف لها دلالات وأخيلة إبداعية، إلى جانب التعبير عن الهموم والمشاعر والأفكار الفردية والجماعية.
الصفحة الثانية من المجموعة تتضمن دار الطباعة والنشر وصفحة خاصة بتقديم الكاتب وأخرى خاصة بتقديم الناشر، وفي دواخل الكتاب بعض الصور والإشارات التي لها علاقة جد وطيدة بالمضمون القصصي، وهذه سابقة للكاتب في إدراج بعض الصور في المتن الحكائي للمجموعة القصصية…. تضم 18 صورة تبدأ بصورة الكاتب والأم….