ذ: سليمة فرجي
رغم استحالة العشرة أحيانا، يعرض الزوج عن المطالبة بالطلاق تفاديا لأداء واجب المتعة المرتفع ، و لا تبادر الزوجة إلى المطالبة بالتطليق للشقاق حتى لا تحرم من مستحقات المتعة.
لا نجادل في كون قانون الاسرة الصادر سنة 2004 يعتبر قفزة نوعية في مجال تعزيز الحقوق الإنسانية، وبناء مجتمع ديموقراطي حديث منفتح على القيم الكونية، ومتشبت بقيمه الدينية والثقافية، واستنتجنا من سنه رفع الحيف عن النساء، وصيانة كرامة الرجال، وحماية حقوق الأطفال، ومسايرة تحولات الواقع المجتمعي، وتحول الأسرة المغربية من هرمية قائمة على أساس سلطوي، إلى بنيان يوزع الحقوق والواجبات على كل فرد، ويقر مبدأ العدل متصديا للظلم بجميع أشكاله .
وفِي هذا الصدد، نستحضر مقتطفا من الخطاب الملكي السامي بمناسبة استقبال جلالته لرئيسي مجلسي البرلمان، وتسليمهما قانون مدونة الأسرة بعد المصادقة عليه بالإجماع بتاريخ 2004/2/3، والذي يؤكد فيه جلالته على تفعيل المدونة على الوجه الأمثل من طرف قضاء مؤهل مستقل ومنصف : ”ومهما تكن اهمية المكاسب المحققة، والتي نتوجها اليوم بوضع طابعنا الشريف على قانون مدونة الاسرة وإصدار الامر بتنفيذه ، فإننا لن نذخر جهدا لتفعيلها على الوجه الأمثل، من خلال قضاء مؤهل ومستقل وفعال ومنصف، وبواسطة كافة المنابر والهيئات لتحسيس عامة الشعب بها ليس باعتبارها مكسبا للمرأة وحدها، بل بكونها دعامة للأسرة المغربية المتوازنة المتشبعة بها ثقافة وممارسة وسلوكا تلقائيا ” انتهى مقتطف من نص خطاب صاحب الجلالة.
لكن أليس من الإجحاف أن يتحمل الزوج عند مباشرته مسطرة التطليق مبلغا باهظا عن المتعة، دونما أي اعتبار لوضعيته المادية، وكأن الأمر يتعلق بعقابه؟
ألم تنص المدونة على كون المتعة يتم تحديدها بقدر يسر الزوج ووضعيته المادية، وحال الزوجة ومسؤولية الطرف المتسبب في انفصام العلاقة الزوجية؟ علما أن أغلب الحالات والنوازل التي تشهدها بعض جهات المملكة التي يباشر المسطرة فيها المغاربة المقيمون في الخارج، تكون مسؤولية الشقاق فيها راجعة لبعض الزوجات، إذ تعمدن إلى طرد ازواجهن من بيت الزوجية، وإذا حاول الزوج الدخول إلى بيت الزوجية تقدم الزوجة شكايات ضده تضطره إلى الابتعاد، وإذا سلك مسطرة الطلاق أو التطليق يواجه باعتماد القضاء على طول مدة الزواج للحكم عليه بأداء عشرات الملايين عن واجب المتعة، دونما أدنى مراعاة لحالته المادية المزرية في عز الأزمة الخانقة التي يعاني منها المواطنون رجالا ونساء، ومسؤولية الزوجة التي لم يعد يهمها استمرار العلاقة الزوجية أحيانا، خصوصا إذا كانت تتمتع في الخارج بتعويضات عائلية مريحة وسكن ومزايا، فيبقى الزوج وحيدا، لا هو متمكن من التعدد لرفض الزوجة منحه الإذن، ولما يباشر مسطرة التطليق يحكم عليه بأداء مبالغ باهظة تعجيزية، دون البحث الجدي والدقيق في أسباب وموجبات الطلب، ودون الاكتراث بمعاناة الأزواج الذين يصلون سنا معينة ويجدون أنفسهم بدون ملاذ عائلي ومواجهين بمعاملة سيئة ، علما ان الزوجة، ولئن كانت اشد رغبة من الزوج في الفراق، فإنها تتفادى سلوك المسطرة، حتى تستفيد من مستحقات المتعة
ورغم استحالة العشرة، يتفادى الزوج مباشرة مسطرة الطلاق أو التطليق، تهربا من أداء مستحقات المتعة التي أصبحت باهظة في أغلب الحالات، وتتفادى الزوجة مباشرة المسطرة تفاديا للحرمان من واجب المتعة،
لتصبح الحياة جحيما، وقد يلجأ البعض من الرجال إلى زواج الفاتحة، في انتظار تحرير المادة 16 المتعلقة بسماع دعوى الزوجية من معقل رفوف لجنة العدل والتشريع، إذ انتهى العمل بها خلال شهر فبراير 2019
المشرع مطالب بتعديل العديد من مواد مدونة الأسرة، وقد أظهرت التجربة منذ 2004 إلى سنة 2020 ضرورة إدخال تعديلات على المدونة، خصوصا أن الاجتهاذ نسف النص القانوني بخصوص المتعة، ذلك أن المدونة تنص على أداء مستحقات المتعة لطالبة التطليق للشقاق، في حين أصدرت محكمة النقض قرارا يناقض النص، ويحرم المرأة من واجب المتعة في حالة مطالبتها بالطلاق للشقاق، كما أن تزويج القاصرات لا زال لم يحسم فيه، إضافة إلى الصعوبات التي تعترض تطبيق مدونة الأسرة على المواطنين المقيمين بدول المهجر.