بقلم: عبد المنعم سبعي
لا جدال في أن شباب المغرب هم ثروته الحقيقية ولا مندوحة من الاعتراف بأن التجارب الحزبية الحقيقية هي التي تكشف قدرات الشباب وتجعلهم عناصر مؤثرة في بناء المستقبل .. لذلك أضحى نزول الشباب إلى الحياة من أجل اختبار مواهبه وقدراته أمرا آكدا في الوجوب خصوصا وأن القوالب القديمة لم تعد تصلح لمواجهة زمن جديد. إن استنساخ تجارب الماضي لا تصلح الآن أمام شباب تغيرت ثوابت كثيرة فى حياته وسلوكه ورؤاه، وإذا كان البعض يسعى إلى إعادة تجارب سابقة فهذا حرث في البحر.
نحن أمام متغيرات حادة تشهدها بلادنا في كل المجالات هناك تجارب يخوضها المجتمع في الإصلاح الاقتصادي.. ومواجهة الإرهاب والإصلاح الديني وما يجري حولنا من كوارث ولا شك أن دور النخبة في مثل هذه الأزمات يصبح شيئا ضروريا ولا يعقل أن تتخلى النخبة عن دورها في مثل هذه الأزمات لأي سبب من الأسباب إن المغرب الآن في حاجة إلى عقول أبنائها كل أبنائها دون تصنيفات أو حسابات أو انقسامات تركت آثارها على حياة المغاربة في كل شيء أمنا واستقرارا.
إن ادوار النخبة ليست تكليفات أو مطالب وقرارات ولكنها مسؤوليات تاريخية تجاه أوطانها ولا يوجد سبب واحد يبرر الانسحاب أو الغياب مهما كانت الأسباب قاهرة، ولهذا ينبغي أن تعود النخبة المغربية إلى تماسكها وإدراكها لحجم مسؤوليتها لأن الغياب أو التهميش أو الانسحاب ليس عملا ايجابيا ولن يفيد في المستقبل القريب أو البعيد.
كثير من عقلاء المغرب يتساءلون أين اختفت النخبة المغربية من المشهد السياسي .. في مناسبات كثيرة لا ترى تلك الوجوه التي اعتدت أن تراها من أصحاب الفكر والمبدعين وكبار الكتاب، قد يكون الموت غيب أسماء كثيرة ولكن حتى من بقى من الأحياء نشعر بغيابهم رغم أنهم مازالوا بيننا.. إن غياب النخبة أصبح حقيقة ملموسة وواضحة في حياة المغاربة ولو تساءلت عن أسباب هذا الغياب فسوف تسمع أكثر من إجابة هل هو المناخ الذي حجب هذه الأسماء؟ أم هو الإحساس بخيبة الأمل التي أجبرت أسماء كثيرة أن تنسحب من هذا الصخب؟ أم هو التجاهل الذي يشعر به البعض بأنهم غير مرغوب فيهم، وإن كانت النتيجة في كل الحالات هي حالة الغياب التي يشهدها المناخ السياسي والفكري والثقافي في المغرب وهناك أسباب كثيرة لذلك أهمها:
إن تجربة الأحزاب السياسية في المغرب لم تتجاوز حدود ما وصلت إليه قبل دستور 2011، فلم يحدث تغيير واضح في ظهور أحزاب جديدة بأجندات بديلة، بل إن الأحزاب القديمة تهاوت وبدأت رحلة تراجع شهدها الجميع من حيث الدور والكوادر والقيادات والتواجد في الشارع المغربي .. كان المغرب ينتظر تجارب حزبية جديدة بعد سنوات من سنة 2011 ولكن الأحلام تبخرت أمام انقسامات حادة بين رموز النخبة في البحث عن ادوار ومصالح أو تصفية بعضها في معارك شوهت كل شيء..
إن النخبة المغربية تتحمل الكثير من مسؤولية الفوضى التي شوهت الواقع السياسي المغربي ما بين ادوار بطولية مزيفة أو وجوه عادت تتصدر المشهد رغم تاريخها المشوه أو ظلال من الماضي القبيح وجدت من يمهد لها الطريق ويفتح لها الأبواب.. لقد انقسمت النخبة إلى عدة فصائل، فصيل قديم استطاع أن يسطو على بعض المواقع بحكم خبراته القديمة في التسلق والنفاق، وفصيل يجيد لعبة التلون أمام ساحات مفتوحة، وهناك فريق آخر فضل الانسحاب والبعد حين اكتشف انه لا دور له وسط هذه المزاحمات .. كان انقسام النخبة ما بين الانسحاب والغياب والمشاركة اكبر أخطائها بعد أن فرطت في دورها وتحولت إلى ميلشيات تصفى بعضها بعضا.
إن جميع الأحزاب التي خرجت في ظل هذا المناخ كانت تشبه إلى حد كبير تجارب سابقة سواء كانت في ظل مؤسسات الدولة أو رجال الأعمال أو تكتلات من بقايا الإسلام السياسي .. لم يظهر فى المغرب حزب واحد يمكن أن نشير إليه ونقول نحن أمام فكر جديد بل إن ما ظهر من الأحزاب تعرض لانقسامات داخلية كبيرة وكان الهدف الحصول على المال أو نصيب من البرلمان مما جعل هذه الأحزاب تتعرض لعواصف شديدة انتهى معها كل شيء..
فبالرغم من أن الأحزاب الحقيقية لا ينبغي أن تتكون في ظل سلطة قائمة، لأن السلطة لا يمكن أن تصنع بيدها من يعارضها فإن هناك دعوات كانت ترى أن واجب الدولة أن ترعى مجموعة من الشباب الواعد وتقدم لهم الدعم الكامل في تبني أفكار سياسية بانية وتخطي عقبات الزعماء الكلاسيكيين الذين قزموا هده الفئة في هياكل موازية لا غير. كانت هناك أحلام كثيرة أن يتم اللقاء بين رموز النخبة المغربية وشبابها ولكن الشباب انسحب والنخبة غابت وبقى الشارع المغربي يعانى فراغا سياسيا مخيفا طوال السنوات الماضية.
قد يكون السؤال: وهل غياب الأحزاب يعنى بالضرورة غياب النخبة خاصة أن المغرب لم يشهد أحزابا حقيقية منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وأن الحياة السياسية في المغرب قد خلت تماما من هذا المناخ وهذه التجارب التي تتعلم منها الشعوب بعض الممارسة الحقيقية للديمقراطية.. إن غياب النخبة لم يكن جديدا هذه المرة، لقد غابت قبل ذلك كثيرا بل إنها انقسمت على نفسها مرات ومرات لإرضاء السلطة أو مباركة زعيم على هرم الحزب، فما هو الجديد في هذا الانسحاب.. إن الجديد أن النخبة قد انسحبت عن قناعة بأنه لا دور لها أو أن هذا الدور ليس مطلوبا أو مرغوبا فيه .. لقد لجأت النخبة إلى تهميش نفسها حتى لا تضطر أن تنسحب على غير رغبتها..
هناك سبب أخر أن النخبة في الماضي كانت تجد مبررات للشجار والخلاف والمعارك فكانت تصطدم مع بعضها ولكنها الآن تشعر أنه لا توجد مصالح تستحق الشجار والصراع وأن الأفضل أن تأخذ مكانا بعيداً فقد تضطر إلى أن تدفع الثمن والعائد لا يساوى شيئا..
للحقيقة لم تكن الأحزاب السياسية هي نقطة الضعف الوحيدة أمام المناخ السياسي في المغرب إن غياب الأحزاب جزء من القضية ولكنها ليست كل القضية إلا أنها تمثل سببا من أسباب الفراغ السياسي في الشارع المغربي وانسحاب الرأي الآخر ولكن هناك أسباب أخرى أهم .. إن الدولة حتى الآن لم تصل إلى لغة للتفاهم والحوار مع شبابها وهذه القطيعة تمثل حتى الآن منطقة فراغ لا احد يعلم من يملأ هذا الفراغ.. إن الحوار على الساحة المغربية ليس في السياسة فقط ولكن في قضايا أخرى مثل الإصلاح الديني والإصلاح الاقتصادي والتعليم ودور المغرب الثقافي الذي تراجع تماما، هذه القضايا لم نتفق على شيء منها ومازالت تمثل حيرة وعلامات استفهام أمام شباب المستقبل.. إن الإعلام المغربي فاقد للهوية ولا تستطيع الآن أن تحدد اتجاها واضحا أمام حالة من التخبط والارتجال التي أصابت جميع مؤسساتنا الإعلامية بيعا وشراء وأهدافا..
رغم كل الأحلام التى ترسمها عملية تطوير الشباب والاستفادة من خبراته، إلا إنها كانت تستحق حوارا أوسع وهنا كان ينبغي التأكيد على أن الصراع بين الشباب والزعماء ليس صراع أجيال ولكن صراع معارف وتكوين وصراع فرضته المستجدات العالمية حتى أصبح العالم قرية صغيرة، وإذا كانت فئة الشباب قد انسحبت سياسيا فكان ينبغي أن تتواجد فكريا وثقافيا لأن كل ما يجرى يناقش قضايا وطن ومصير أمة.