بقلم الدكتور إسماعيل فيلالي
– ب – عنوان المجموعة القصصية
اختيار العنوان لم يكن من قبيل الصدفة، بل من قبيل القصد الهادف لإثارة انتباه المتلقي ودفعه إلى قراءة النص لاستخلاص هذا الشقاء والتعرف على مضاربه في مدينة أحفير… فعنوان النص من تيمتين أساسيتين: مضارب والشقاء. فالمضارب هي الفضاءات التي تجمع الزمان والمكان في أبعادهما الإنسانية… وكما هو معروف لدى الدارسين والنقاد، يعتبر العنوان بمثابة مفتاح للنص، وهو يوحي بأشياء كثيرة ومتعددة، فهو يخلق أفق انتظار واسعا لدى القارئ وهو يتأمله، قبل أن يلج الغرف النصية، حيث يبدأ الحكي من خلال التذكر والاسترجاع انطلاقا من بؤرة النص التي هي مدينة أحفير حيث ولد وتربى صاحب “مضارب الشقاء”. وتنتصر الذاكرة التي تخرج صاحبها من رتابة الحياة. وبها يستعيد الأمل في الحياة من أجل استشراف المستقبل…
التقط بوراص هذه المضارب ليصف لنا الجو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي كانت تعيشه مدينة أحفير، والمضارب التي تجتمع فيها الأزمنة والأمكنة لذلك الجيل الذي عاش هذا الشقاء، فالمضارب لا تخص الكاتب، بل هي حصيلة من الأحداث التي مرّ بها هو والجيل الذي عايشه والذي من بعده، بالإضافة إلى ذلك، مضارب الشقاء تعرفنا على فضاءات شكلت محطات أساسية في حياة الكاتب وحياة أهل أحفير.
2 – بنية المجموعة القصصية “مضارب الشقاء”
تمتد مضارب الشقاء على مساحة (110صفحة) من الحجم الصغير تتوزع على ست عشرة قصة، لكل قصة عنوانها الخاص، وكل فصل خصص لحكاية ما، ويبقى الرابط بين هذه القصص هو الفاعل الذاتي (السارد) الذي لا يعلن أنه يقدم سيرة ذاتية، وجماعية لأهل أحفير، بالمعنى المباشر، وإنما يضعنا أمام نصوص قصصية اختارها من الذاكرة كما أشار إلى ذلك في تقديم كتابه: “مضارب الشقاء نبش في الذاكرة يشهد على زمن جميل رغم الجهل السائد وقتذاك الذي تولدت عنه بعض التصرفات غير السليمة والعفوية، ومنظومة حية لمدينة عرفت سبقا في التسامح والتعايش الروحي، وانفتاح الساكنة على معتنقي الديانات الأخرى بنوع من الثقة والاحترام، ميزها بشكل قل نظيره.
كان زمن التآخي المبني على الحب والاحترام والتضامن والتآزر، بعيدا عن كل مظاهر التطرف.. لم يكن هناك مسلم أو يهودي أو مسيحي، ولا سني أو شيعي، بل كان حب الإنسان لأخيه الإنسان بغض النظر عن معتقداته ومذاهبه وميولاته. مرحلة تميزت بالحكمة والتبصر رغم بساطة عيش المواطنين وأدواتهم…” ( مضارب الشقاء ص 5).
وهذه القصص هي التي تضمنتها الفصول التالية: عيشة وجبل الأشباح – الحاج الهواري “فوفو” – رب أسرة: بين الاستبداد والعبودية – ضابط الأمن والمنقبة – “مرياطو” – أمير القبور – رقية ميميس – الخامسة البوهالية – إسطبل البلدة – المطحنة – سبيطار أحفير والطبيب الإسباني كارازا – الكازير مدرستي الأولى – كوليج أحفير ومسيو فيدي موكا – البشير بين شبح الموت والفقهاء – كل واحد و قرايتو – غدر بطعم الحب – الولهاصي .. أحد معالم حارتنا – أحلام في مهب الريح – حين يمتزج دم اليزناسي بالخمر يكون الثأر غاليا – رجل تعليم متقاعد …. ( ويختم المجموعة بنص خارجي كقراءة انطباعية موازية لما جاء في المجموعة القصصية).
بنية مضارب الشقاء بكل فصولها، هي رحلة ذهاب وإياب في الزمن الأحفيري تتبع سلوكا راسخا في استرجاع كل ما هو شقي ومؤلم في حياة الكاتب واقرانه من الشباب في تلك المرحلة…
3 – “مضارب الشقاء” بين الذاكرة و السيرة الذاتية
تم تصنيف “مضارب الشقاء” من لدن الكاتب والإعلامي عبد القادر بوراص في خانة جنس القصة الأدبية، إلا أن القارئ، يخرج بعد قراءة النص، بخلاصة مفادها أن القصص تتوزع بين قصص شخصيات استثنائية من الذاكرة وأخرى تحمل بعضا من سيرة المدينة والكاتب، لكونه عاش التجربة بتفاصيلها وكان جزءا من أحداث القصص، وعايش كل شخوصها المتميزة…
ونحن لا نستبعد عنها هذه التصنيف، لكن نلاحظ أن الخيال فيها محدود، وهو واحد من أكبر المرتكزات في البناء القصصي… لكن هذا لم يمنع الكاتب من استعارة بعض آليات الكتابة القصصية كالسرد والوصف وطريقة عرض وبناء بعض قصصه الجميلة، خاصة قصة “عيشة وجبل الأشباح (ص10)، ضابط الأمن والمنقبة (ص 28)، غدر بطعم الحب (ص 80) وأحلام في مهب الريح (ص 89) …. لقد كانت خيالاته وأحلام شخصياته منبع إبداع خاص واكب كفاح هذه الشخصيات وصراعها المرّ مع محيطها الاجتماعي والإنساني، وهذا ما جعلها تعكس مسار التطور الذي عرفته مدينة أحفير…