بقلم عبد العزيز داودي
إلى أين وصل المغرب في محاربة ظاهرتي الرشوة والفساد؟ سؤال لطالما تردد على لسان الكثير من المهتمين بالحكامة المالية، وبوجوب ترشيد النفقات العمومية، على اعتبار أن أكبر عائق للتنمية في كافة مجالاتها الاقتصادية والثقافية والخدماتية، مرتبطة أساسا بالنزاهة والشفافية في تمرير صفقاتها، بل حتى التحفيز على الاستثمارات الأجنبية لمختلف الشركات رهين بمناخ أعمال عام دعائمه وركائزه مبنية على تكافؤ الفرص، وعلى ضمانات حقيقية لا يكفلها إلا تشريع مناسب.
ورغم بعض المجهودات المبذولة من طرف الدولة، إلا أنها تبقى خجولة ولا ترقى إطلاقا إلى مستوى خطورة ظاهرتي الفساد والرشوة، بسبب عجز الدولة عن محاربة الكثير من تجليات الظاهرتين اللتين تفوقان كل القوانين.
وكان المغرب قد وضع استراتيجية وطنية لمحاربة الفساد والرشوة سنة 2015، وحدد كسقف زمني للوصول إلى مجموعة من الأهداف عشر سنوات، حيث أكدت مسودة الاستراتيجية مثلا على وجوب محاربة الإثراء غير المشروع، هذا المشروع الذي يجابه بمقاومة قوية من طرف لوبي الفساد والرشوة داخل الإدارات والوزارات المغربية. كما يجابه ايضا وبنفس القوة قانون التصريح بالممتلكات، والذي أفرغ من محتواه. وبالرغم كذلك من كون دستور المملكة لسنة 2011 قد حقق قفزة نوعية بالارتقاء بالمجلس الأعلى للحسابات وبالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومجلس المنافسة إلى مستوى مؤسسات… إلا هاته المؤسسات لا تلعب دورها كاملا، أولا بالنظر إلى الإمكانيات المالية والبشرية المرصودة لها، وثانيا لأن طبيعة تقاريرها، وحتى إن أحيلت على القضاء، وتضمنت تهما ثقيلة تصل إلى مستوى الجرائم المالية، فإن العقوبات غالبا ما تكون أقل من المتوقع بكثير.
وبالتالي، فإن المغرب مازال أمامه أشواط كبيرة للقطع مع الفساد والرشوة، لأن التطبيع مع الفساد مرادف للصراع بين القوى المحافظة المهيمنة وبين قوى التغيير، بما يعنيه ذلك من كون المستفيدين من الريع لن يتنازلوا عن امتيازاتهم بسهولة.
هيئات المجتمع المدني إذن المهتمة بالحكامة المالية مطالبة بمحاربة جميع مظاهر الفساد والريع والرشوة، لأن التكلفة المادية لها كبيرة جدا، حيث تشير التقارير إلى أن الرشوة مثلا تكلف خزينة الدولة 5 ملايير درهم سنويا، وتشكل 05 % من الناتج الداخلي الخام… مبلغ كبير طبعا كان يمكن استثماره في تشييد المرافق العمومية من مستشفيات ومدارس وجامعات وبنى تحتية قادرة على جلب الاستثمار، عوض تكديس أموال الرشوة في البنوك الأجنبية، مع ما يعنيه ذلك من استنزاف المزيد من المال العام وهدره…