بقلم: عبد المنعم سبعي
يبدو أن بيننا وبين الديمقراطية مسافة طويلة، هذا الحلم الذي طاردنا كل سنوات عمرنا، وأصبح مجرد سراب كلما اقتربنا منه تسرب من بين أيدينا.. من يشاهد الآن المشهد الانتخابي فى المغرب لا يصدق أن هذا الشارع المرتبك قد شهد صدور دستور رائع فى عام2011، وان هذا المدينة شهدت ممثلين للسكان في وقت مضى، من طراز رفيع، وان هذه البلدية التي نقف الآن أمامها حائرين قد عرفت أيام كانت الأحزاب الوطنية تؤطر وتكون مناضليها ومنتخبيها، ميلاد مشاريع وإصدار قرارات كانت ولا تزال مضرب المثل في نكران الذات وحب المدينة.
إن الأزمة الحقيقية أننا نسينا الماضي الذي كان فيه نوع من الأمل، وطغى علينا الوضع البئيس لتسيير المدينة والشيخوخة التي أصابتها في منتصف الطريق، وصغرت أمامنا كل الأشياء. هذه الربوع التي أخرجت كل هذه الأشجار العتيقة تضج الآن بالحشائش التي تسلقت على كل شيء.
إن الحيرة التي تعيشها السلطة وحالة الفوضى التي يعيشها الشارع، وهذه الأشباح التي تأتي بها الانتخابات تؤكد أن بيننا وبين الديمقراطية الحقيقية رحلة سفر طويلة، وان على أجيالنا التي تعبت من السفر وراء هذا الحلم أن تستريح قليلا وتستبدل هذا الحلم المكابر بأحلام صغيرة تتوافر فيها وسائل الحياة الكريمة سكنا ومعاشا وتعليما حتى تخرج من ظهورنا يوما أجيال تدرك قيمة الفكر والرأي والحوار.
إذا كنا بالفعل جادين في حلمنا بمدينة ترقى إلى المدن المغربية الكبرى، وكنا جادين في مطالبنا بالديمقراطية، فهل هي ديمقراطية وأد الكفاءات، أم نهب المال العام والكذب على المواطن، أم هي ديمقراطية الإقالات والصراخ ووضع العصا في عجلة التنمية المحلية والوطنية، أنا لا أتصور أن يكون الحل أن نفتح الأبواب لهذه الفوضى ولبعض الوجوه التي لم تجن منها المدينة سوى خيبات الأمل.
هناك فصيل وجدي غائب تماما عن المشهد وهم جماعة المثقفين الذين اختفى معظمهم في ظروف غامضة.. منهم من انسحب ومنهم من هرب ومنهم من أصابه الاكتئاب، حدث هذا رغم أن اللحظة كانت تقتضى الرأي والفكر والمشورة..إن الأشباح التي طفت على سطح الحياة فى مدينة وجدة لا تمثل على الإطلاق العمق الحضاري والتاريخي وحتى الأخلاقي للوجديين.. نحن أمام وجوه سطت على الأحداث وأخرى لا يعرفها أحد، وثالثة من تجار الفرص الضائعة. وفى كل الحالات نحن أمام بلدية خرجت كما يقال من الخيمة مائلة..
أين شعارات الحملة الانتخابية؟ أين الوعود المعسولة؟ وأين الحوار الدائر بين الكتل السياسية والشارع الوجدي؟ وأين الحيوية في صراع الأفكار والبرامج والرؤى؟! لم نتلمس أي شيء مما وعدنا به في حملة الانتخابات الجماعية الماضية..
كثيرة هي الوقائع التي تتبعها المواطن الوجدي من عمر هذا المجلس بكثير من الذهول والتعجب، فلا هو مطمئن للواقع التنموي للمدينة ولا هو مصدق للأحداث المتضافرة، فبعد انقسام مستشاري البام بالمجلس الجماعي لوجدة إلى فصيلين متناحرين، وبعد غياب المشاريع وترك المدينة غارقة في أوحالها وهمومها، وبعد الحديث عن الفساد في تجزئة البستان، وبعد تداول المتابعات القضائية لمسؤولين من وجدة… يبقى المتتبع مشدوها لقوة الانفجارات التي خلفها الفساد السياسي والإداري بالمدينة والجهة.
إن الأزمة الحقيقية في قضية الفساد ببلادنا أنه نشأ في أحضان الأحزاب السياسية، وان هناك جهات تحميه وتغذيه، وأن هذا الفساد امتد إلى جذور المجتمع المغربي وأصبح له أنصار ومريدون، بل أكثر من هذا أن أجيالا من الفاسدين قد تركت هذا الإرث لأبنائها.. فعندما تم توريث الوظائف والمناصب الكبرى وأحاطتها بسياجات منيعة، كان ذلك تأكيدا ودعما لمنظومة الفساد، وعندما أفسدت على البسطاء الانتشاء بوظيفة بسيطة من السلم الثامن أو التاسع، كان ذلك قضاء مطلقا على أي جذوة أمل في الإصلاح، وحين انتقل هذا المرض الخبيث إلى فئات وطبقات اقل مرتبة في الهرم الاجتماعي كان ذلك تدميرا لمنظومة أخلاقية قام عليها المجتمع المغربي.. هذا هو زمن غياب صوت الحكمة الذي يعانى منه مشهدنا السياسي والإداري وهو مشهد ليس بوسعه أمام خطط المفسدين سوى تكريس الفوضى وصيحات الاحتجاج التي أصبحت عنوانا مزيفا لمطالب التغيير والإصلاح باتجاه الديمقراطية ورفض الاستبداد بينما هي في حقيقتها توفر الأسباب والذرائع لاستدعاء الانضباط الغائب بعد أن تحول المشهد العام إلى ما يشبه الرقص المجنون نتيجة تداخل الأمور وتشابك التعاريف وانفتاح الساحة السياسية على مصراعيها لمن تأهل ومن لم يتأهل. لكن وعي صاحب الجلالة بضرورة القطع مع هذه التجاوزات وحرصه على التأسيس لمرحلة جديدة وبلورة سياسة حكيمة تقوم على تحديث عمل الإدارة وربط المسؤولية بالمحاسبة، قد يجتث مظاهر الفساد من جذوره.