بقلم الدكتور فريد بوجيدة
قال السيد الوزير إن 80 في المائة من التلاميذ اختاروا التعليم الحضوري …وهو مؤشر جميل (زوين) حسب تعبيره…!
الأرقام ليست دائما صائبة حتى وإن كانت دقيقة، وهي فن الغش بشيء من النبل كما يقول المثل الفرنسي.
ماذا تعني هذه الأرقام؟ من جهة هي تعبير عن فشل التعليم عن بعد، ومن جهة ثانية تأكيد على ما نبه إليه الفاعلون (أساتذة وإداريون، آباء، مختصون في المجال التربوي، وباحثون…) حينما أشاروا إلى أن الوزارة لم تتحمل المسؤولية، بل جعلت الآباء أمام اختيار واحد، وهو التعليم الحضوري، مادام التعليم عن بعد افتراضي فقط، أي غير موجود واقعيا إلا في حدود ضيقة جدا… وفي الوقت الذي كان عليها (أي الوزارة) وضع اختيارات أخرى أكثر فاعلية، تربويا وتنظيميا، أو تأجيل الدخول المدرسي مرحليا… استنتج السيد الوزير أن التلاميذ يفضلون التعليم الحضوري… مع أن الأرقام تشير إلى شيء واحد، وهو أن الآباء (وليس التلاميذ) لم يجدوا اختيارا آخر أمامهم غير ما يوجد في الواقع!
وقبل التصفيق للأرقام، يجب التسليم بالوقائع على الأرض، وهي أولا الرفض الشامل الذي عبر عنه الأساتذة لما يسمى بالتعليم عن بعد لغياب الوسائل المادية، سواء داخل المؤسسات التعليمية أو لدى الأغلبية العامة من الشعب، ثانيا عدم تفاعل الآباء مع التعليم عن بعد للسبب السابق ولأسباب سوسيواقتصادية وتربوية (ظروف السكن، عدم انضباط الأبناء…)، وثالثا غياب تقييم حقيقي للتجربة السابقة أثناء الحجر الصحي، أي غياب دراسة تحليلية لما تم إنجازه تبرز مدى تفاعل التلاميذ مع التعليم عن بعد..
إن التحدي الكبير للوزارة، إذا كانت بالفعل تبحث عن مخرج سليم لهذه الأزمة (وهي أزمة عامة على كل حال)، هو إشراك الفاعلين ، وعدم اعتبار أن الأزمة تحتاج فقط إلى هرمية وتدابير ومنفذين، فالأمر أكبر من ذلك إذ يتعلق بأزمة تفكير، واستبعاد الآليات التشاركية، وبالأخص النقاش العمومي الذي بإمكانه إيجاد السبل الكفيلة للحد من الخسائر وتحملها إن اقتضى الأمر…
إن الجائحة قدر شامل له امتداد، والرؤية التشاركية (الفعلية) تجعل الجميع يتحمل المسؤولية، والاستمارة ماهي إلا جزء من المسؤوليات الكبيرة، وطرحها بالصيغة التي طرحت بها لم تحل المشكل كما يظن السيد الوزير، بل كشفت لنا عن مشاكل بنيوية داخل المجتمع، فالأب الذي يختار لابنه تعليما حضوريا لا يجيب عن سؤال الحضور أو البعد، فهو إما يثق ثقة مطلقة في الحكومة لأنها ستحمي له ابنه من وباء كورونا، بناء على كلام السيد الوزير، أو ليس له بديلا آخر، بناء على معطيات الواقع… والأصح أن ذلك الأب (أو الأم) فقير، ولايملك إلا أن يتشبث بما هو موجود، لأن السيد الوزير لم يمنح له ختيارا آخر…