بقلم: الدكتور زهر الدين طيبي
عام جديد أطل علينا في ظل العديد من المستجدات والمكتسبات خاصة بالنسبة لقضيتنا الوطنية، عام جديد نقبل فيه داخليا، على المحطات الأخيرة في النقاش المجتمعي بخصوص النموذج التنموي الذي نريده لبلادنا، لابد من وضع اليد بكل جرأة على مكامن الخلل في سياساتنا إن نحن أردنا التقدم وتحقيق العدالة الاجتماعية، وإذا كان المغرب يعاني من عدة مشاكل اقتصادية واجتماعية، حيث يلمس المواطن عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية كما يشعر باختلال واضح في توزيع الدخل والثروات، وتفاوت ملحوظ في الأوضاع الاجتماعية، فإن البطالة خاصة في صفوف الشباب حاملي الشهادات، تشكل الرقم الصعب في أية معادلة تنموية مستقبلية، على اعتبار أن سياسة التشغيل مستقبلا عليها أن تنطلق من رهان الحجم الحقيقي للبطالة.
وتبقى المشاركة السياسية للشباب وإعادة رصيد الثقة في المؤسسات حجر الزاوية في نجاح النموذج المرتقب الإعلان عنه قريبا، إذ في ظل النقاش العمومي حول النموذج التنموي الجديد، يبقى السؤال الكبير هو هل يمكن استرجاع الثقة “المفقودة” بين الشباب والمؤسسات بالخطابات السياسية؟ متى يتم إشراك الشباب في صناعة القرار؟ وكيف يمكن تجاوز إشكالية عزوف الشباب عن المشاركة السياسية؟ هل يكفي أن يقول رئيس الحكومة بأن حكومته واعية بأهمية الشباب في المغرب، من الناحية العددية ومن ناحية الدور والتأثير ومن حيث الحاجيات في المستقبل، ومن حيث الخصاص الذي يوجد على مستوى التعليم والشغل وعلى مستويات أخرى؟ إلى متى يكتفي رئيس الحكومة بالإنصات لكل هذه الهموم والهواجس؟
المؤكد أن التفكير الجماعي في نموذج اقتصادي جديد، يقتضي التفكير في بلورة مبادرات شبابية في المجال التنموي، وتوفر الإرادة والقدرة على تحويل الطاقة الاحتجاجية للشباب، إلى طاقة اقتراحية نقدية يمكنها أن تتابع السياسات العمومية وتراقبها وتقترح البدائل. ولا يمكن لذلك أن يتم دون مخاطب جهوي قادر على صنع القرار السياسي جهويا، كما لا يمكن أن يتم في غياب مشاركة حقيقية للشباب في الفعل السياسي، ولا يمكن لذلك أن يتحقق ما دام الشباب المنخرط في المجتمع المدني لا يتجاوز 5 في المائة، والانخراط في الاحزاب بالكاد يصل إلى 1 في المائة. وفي المقابل لايمكن للمغرب أن يراهن على الجهوية المتقدمة بمنتخبين لم يلجوا قط المدارس، كما لا يمكن الحديث عن اللامركزية واللا تمركز في ظل تدبير الشأن المحلي من طرف منتخبين أميين. هل يعقل أن يكون لدينا في المغرب في عصر الرقمنة وتقنيات الاتصال الحديثة 4739 منتخبا من أصل 30 ألف بالجماعات الترابية لم يلجوا المدارس في حياتهم؟ إذا أضفنا إلى ما سبق كون بعض نواب الأمة لا يتوفرون على أي مستوى دراسي، وبأن حوالي 100 نائب برلماني لا يتوفرون على الباكالوريا، فلنا أن نتصور مستوى الأداء البرلماني والتشريعي بهذه التشكيلة.
قبل التفكير في تنزيل النموذج التنموي، علينا أن ندرك، أنه من أجل إعادة الثقة بين الشباب والمؤسسات، لابد من الإسراع بإخراج السياسات المندمجة للشباب، وأن تلتزم الحكومة بإيجاد أجوبة عن أسئلة الشباب، ومقترحات حلول للمشاكل المعروضة، سواء في البرامج الموجودة، أو عبر إيجاد برامج جديدة، لأنه لا يمكن تصور نموذج تنموي جديد يمكن اعتماده بالمغرب دون أن يشكل فيه الشباب نقطة تقاطع مختلف السياسات العمومية المرتبطة به. كما أن الدولة مدعوة أن تراهن على الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتقريب الخدمات من المواطنين وتجويدها، وألا تبيع الأوهام للمواطنين. نحن اليوم أمام أكثر من 18 مليون مغربي يحق لهم التصويت، من أصل 24 مليون، لا يشاركون في الانتخابات، بل لا يبالون بالفعل السياسي، مقابل فقط ستة ملايين يصوتون، من بينهم مليون بطاقة ملغاة، بمعنى أننا أمام أكثر من 75% لا يثقون في المؤسسات، أغلبهم من الشباب، فهل سنستمر طويلا على هذا النهج؟
ما من شك أن الفقر والحاجة عاملان من العوامل التي تمنع الإنسان عامة والشباب خاصة، من التمتع بممارسة حقوقه بحرية تامة، فقد يضطر الشخص الفقير والمحتاج إلى بيع صوته مقابل دراهم معدودة، كما أن تفشي ظاهرة البطالة في أوساط الشباب المغربي تعتبر قنبلة اجتماعية موقوتة مما ينذر بتصاعد مشاعر “الاستياء والإحباط”، حيث يواجه الشباب سواء المنحدر من أوساط فقيرة أو غنية آفة البطالة، وكذلك الشأن بالنسبة لخريجي التعليم العالي المغربي ومعهم ولو بنسب مختلفة بعض خريجي الجامعات الأوربية والأميركية، حيث لم تستطع السياسات العمومية في التعليم والتشغيل انتشالهم منها.
لنا أن نقرأ الأرقام بخصوص الحجم الحقيقي للبطالة في بلادنا، فقد بلغ حجم الساكنة النشيطة بالمملكة في وضعية بطالة حسب الأرقام الرسمية 1.12 مليون شخص سنة 2018، ويبلغ معدل البطالة 9.8% على الصعيد الوطني، و17.1% في صفوف حاملي الشهادات منهم 23.3% من خريجي التكوين المهني، و15.4% من خريجي التعليم العام. لدينا حسب الفئة العمرية 26% في صفوف الشباب ما بين 15و 24 سنة على المستوى الوطني، و43.2% في الوسط الحضري، ولدينا البطالة بنسبة 15.1% لمن تتراوح أعمارهم بين 25و 34 سنة، و47% في صفوف البالغين ما بين 35و 44 سنة. هذا طبعا قبل جائحة كورونا التي عمقت الجراح ورفعت كل نسب البطالة وزادت من حدة الأزمة.
يبدو جليا أن النصيب الأوفر للبطالة كان في صفوف حاملي الشهادات الجامعية، حيث بلغت نسبتهم 22.7%، وبالتالي نتساءل كيف لهذه الشريحة الواسعة من الانخراط في السياسة وهي لا تتوفر على أهم حق من الحقوق الاقتصادية وهو الحق في التشغيل.
في ظل تواضع المنجزات قياسا بحجم الرهانات التي يطرحها موضوع التشغيل، يظل التحدي الأكبر اليوم كيف السبيل لإعادة الشباب إلى محورية العملية السياسية أمام الحراك المجتمعي الذي يعرفه المغرب؟ حتما لابد من تجاوز النظرة التقليدية للشباب كفئة لا تصلح إلا لتأثيث المهرجانات والتجمعات الخطابية وكونها أرقاما انتخابية ليس إلا، لقد حان الوقت لتجاوز عقدة صراع الأجيال وتعويضها بنظرة التكامل والتداول، بالإضافة إلى ضرورة تجويد العروض السياسية وتمثـيلها لانتظارات الشباب من خلال البرامج والمخططات المسطرة بفتح قنوات الحوار والتواصل الدائم بينهم وبين المجتمع الحزبي وصناع القرار العمومي. من هذا المنطلق لابد أيضا من التفكير في الأدوار الجديدة لوسائل الإعلام كفاعل رئيسي في تشكيل سياق التحول السياسي في المجتمعات، على اعتبار أنها تعكس طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع من جهة وبين النخبة والجماهير من جهة ثانية.
فهل يحقق عام 2021 الطفرة التنموية المأمولة؟ ذاك ما نتمناه، عسى أن يكون العام الجديد محطة للإقلاع والتنمية الحقيقية وإعادة الثقة في المؤسسات، كما نتمنى أن تكون الانتخابات المقبلة بداية لنمط جديد في التعامل مع المشاكل البنيوية التي تعاني منها بلادنا. وفي انتظار أن يكون القادم أفضل، لا يسعنا إلا أن نقول كل عام ومغربنا بألف خير.