يكتبه: الدكتور زهر الدين طيبي
كيف يمكن تقييم الحكامة في المغرب؟ هل يتم اعتماد توصيات مؤسسة الرقابة المتمثلة في المجلس الأعلى للحسابات؟ لماذا تستمر بعض المؤسسات العمومية في الاشتغال بنظام تقليدي غارق في البيروقراطية؟ ولماذا تستمر مؤسسات لم تعد لها أية قيمة مضافة؟ إلى متى يستمر ارتباط هذه المؤسسات بميزانية الدولة رغم تطويرها وإصلاحها وتطوير حكامتها.
سبق للمجلس الأعلى للحسابات، أن أوصى في تقرير موضوعاتي له حول “قطاع المؤسسات والمنشآت العامة بالمغرب: العمق الاستراتيجي والحكامة”، بالتزود برؤية استراتيجية قصد ترشيد قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية. وانتقد إدريس جطو، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، في اجتماع لجنة المراقبة المالية العامة بمجلس النواب، شهر ماي 2018، طريقة تدبير 725 مؤسسة عمومية تشغل 130 ألفا مستخدم، بكتلة أجور تصل إلى 34 مليار درهم وبرقم معاملات يصل إلى 236 مليار درهم، وحجم استثمار بقيمة 74 مليار درهم، فيما تقدر التحويلات من الدولة إلى القطاع بـ 27 مليار درهم والإيرادات 8 مليار درهم، بينما تصل قيمة الضريبة على الشركات 6 مليار درهم. وذكر رئيس مجلس الحسابات أن هناك مؤسسات أنشئت سنة 1960 وتشتغل بنظام تقليدي غارق في البيروقراطية ولا يساير التحولات الجارية على المستوى التكنولوجي، بل أن هناك 79 من المؤسسات لم تعد لها قيمة مضافة ماليا واستمرت في العمل. وعلى مستوى الحكامة، دعا التقرير إلى تطبيق مبادئ المدونة المغربية للممارسات الجيدة لحكامة المؤسسات والمقاولات العمومية، وإعادة النظر في طرق إدارة بعض المقاولات العمومية، وتشجيعها على اعتماد أدوات تدبير تتماشى مع خصوصيات المجالات التي تشتغل فيها. وبخصوص العلاقات المالية للمؤسسات والمقاولات العمومية مع الدولة، أوصى التقرير بتصفية الوضعية المالية للمقاولات العمومية الاستراتيجية، وممارسة يقظة مستمرة على مديونية هذه المؤسسات، ومعالجة دين الضريبة على القيمة المضافة المتراكم لفائدة المؤسسات العمومية تجاه الدولة، إضافة إلى ترشيد التحويلات المالية للدولة نحو هذه المؤسسات وترشيد مردودية المحفظة العمومية. وفيما يتعلق بالربط الاستراتيجي بين سياسات واستراتيجيات هذه المؤسسات وبين السياسات العمومية للدولة بشكل عام، سجل التقرير ملاحظات همت على الخصوص، غياب استراتيجية واضحة للقطاع، إضافة إلى مواكبة غير كافية وغير موحدة، فضلا عن غياب رؤية شاملة ومنسجمة مع مجموع القطاع العام، وإعادة تحديد أشكال ومجال ممارسة المراقبة المالية للدولة على المؤسسات والمقاولات العمومية.
واليوم وبعد مرور قرابة ثلاث سنوات على هذا التقرير ومناقشته، نتساءل، ماذا تحقق من توصيات وكيف هو حال هذه المؤسسات؟ المؤكد أنه حان الوقت لتصبح هذه المؤسسات خاضعة بدقة لمراقبة البرلمان، كما بات من الواجب تطوير القوانين المنظمة لها، مع ضرورة تتبع مدى تفعيلها للحكامة، والاشتغال بنجاعة، لما فيه مصلحة الوطن والمواطن، دون أن ننسى تنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
للأسف الشديد لا زال كلام الليل يمحوه النهار، وتوصيات المؤسسات المرتبطة بالحكامة تجمع في سلال المهملات والأرشيف. بل الأدهى من ذلك كله أن الأدوار المنوطة بالمجلس الأعلى للحسابات باتت تسائل المشرع حول النجاعة والمردودية المطلوبة، كيف يمكن محاربة الفساد بالتصريح بالممتلكات دون تتبع وتحيين، ولماذا لاتزال كلفة الفساد عندنا باهظة تتجاوز 50 مليار درهم سنويا؟ لا داعي لانتظار وعود السياسيين فكم حكومة وكم من حزب وعد بمحاربة الفساد وأخلف الوعد.
واليوم، ونحن نستشرف الانتخابات المقبلة نتساءل: لماذا لم تتحرك الحكومات المتتالية عندنا للاستجابة لمطالب المواطنين، ولم تتجاوب معهم؟ لماذا لا يزال السياسيون عندنا من الحكومة إلى البرلمان يكتفون بدور الإطفائي أمام استفحال كل أشكال الفساد؟ لماذا يحاولون الركوب على كل المحاولات الشعبية التي باتت تتجاوز كل الوسائط المؤسساتية المعهودة؟ إذا كان المواطن البسيط يلجأ لوسائل بديلة للدفاع عن مصالحه، فما هو دور البرلمانيين والحكومة؟
لقد ظل صندوق دعم المواد الأساسية يستنزف 57 مليار درهم من ميزانية الدولة، حيث كان أصحاب السيارات الفارهة والضيعات الكبيرة هم من يستفيدون منه، وهناك اليوم من لا يزال يستفيد من دعم الدولة، بطريقة أو بأخرى، في حين لازال الفقير والمواطن البسيط لم يستفد بالمقابل من أية امتيازات، وازدادت الهوة بين الفقراء وتلة الأغنياء في ظل استمرار محاولات القضاء على الطبقة المتوسطة.
في جميع الأحوال لقد حان موعد الانتخابات وسوف ينصب النقاش مجددا على من يكسب شعبية أكبر من قبل المواطنين، عوض الاهتمام بالأصل، أي بمراقبة الأسعار والدفاع عن القدرة الشرائية للمواطن والتوزيع العادل للثروات، ومحاربة الفساد والتفاوتات المجالية بعد السكوت الذي استمر خمس سنوات وهي مدة الولاية البرلمانية.
إن الحكومة الحالية التي تتشدق بتحقيق إنجازات على المستوى الاجتماعي والتي تدعي أنها اجتماعية، عليها أن تتابع نبض المجتمع تفاديا لأي احتقان اجتماعي، ولا بأس من تذكير الحكومة، بأنه من واجبها حماية المقاولات بعد جائحة كورونا والحفاظ على مناصب الشغل، والدفاع عن القدرة الشرائية للمواطنين، والحرص على معالجة شؤون المجتمع ككل، كما أن على البرلمانيين أن يدركوا أنهم باتوا يشتغلون تحت مجهر مراقبة الرأي العام، الذي بدأ يسحب البساط من كل الوسائط المؤسساتية.
المؤكد أن اشكالية تجديد النخب وتطوير الأداء الحزبي، قد تمددت اليوم حتى أصبحت عقدة عصية على الحل، لذلك يجد بعض الطامحين الى مجد شخصي الطريق سالكة في كل مرة الى تحقيق أهدافهم ومآربهم المريضة على حساب قضايا المواطنين..
آخر الكلام أن ما ينتظره المواطن من الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية المقبلة، هو ما يرتبط بالقضايا الاجتماعية كالتعليم والصحة والبطالة، إضافة إلى التحديات الاقتصادية، والسياسية والأمنية، باعتبارها تشكل أهم التحديات التي يواجهها المغرب. لهذا يبقى المطلوب ألا تكون المواجهة بين الأشخاص والزعماء، وإنما بين المشاريع الحزبية في دولة المؤسسات، لأن أي انزلاق للصراع بين الأشخاص خلال الفترة القادمة لن يكون في صالح السياسة المغربية وسيزيد من فقدان الثقة في العمل السياسي من طرف المواطنين في ظل العزوف الكبير المسجل حتى الآن.