بقلم: عبد المنعم سبعي
ثمة شبه إجماع على أن سنة 2021 ستكون سنة الاستحقاقات كما ينتظر منها، إن لم يكن للوضع الوبائي والاقتصادي المرتبط به، كلمة أخرى، ومع اقتراب هذا التاريخ بدأت بعض الكائنات الانتخابية التي تنتعش في مثل هذه المناسبات تنفض عنها الغبار لاختيار التموقع الأنسب، وتستعد غربان الانتخابات للخروج من أوكارها، غير أن التجربة الحالية للمجلس الجماعي لوجدة أبانت بكل الوضوح عن ميوعة خادشة أصابت العمل الجماعي، وأثرت على المدينة ومصالح سكانها بشكل لا يقبل الجدال أو تلمس الأعذار.
فيحق لكل متتبع أن يطلق على السنوات الماضية من عمر المجلس الجماعي لمدينة وجدة بالسنوات العجاف، فقد عاشت مدينة وجدة خلال هذه االسنوات ، ظروفا صعبة وغير منتظرة، كان عنوانها ترهل الخدمات الجماعية وفشو الفوضى، وغياب مصلحة المدينة والسكان من أجندة الفرق الحزبية، فما بين أحلام التغيير وتجويد الخدمات الجماعية وبين قيود الارتباك ورفض الميزانية في الدورات العادية والاستثنائية، وتخلي نواب الرئيس عن تفويضاتهم عاش الوجديون مرارات متكررة ومسترسلة بدأت بشيوع الفوضى في الشوارع واحتلال الملك العمومي، واستشراء الفساد في أجل مظاهره ببعض أقسام البلدية، فتخلت البلدية تبعا لذلك عن الكثير من مسؤولياتها. لا يهمنا تعليلات كل فريق بخصوص قراراته سواء بخصوص رفض الميزانية أو بخصوص صب مزيد من الزيت على نار الحزازات، فلكل تداعياته وحساباته الراهنية والمستقبلية، ولكن ما يهمنا أكثر هو هذا التكالب على مصالح مدينة وجدة وسكانها خدمة لأجندات معينة، أمام هذا الوضع البئيس للعمل الجماعي بمدينة وجدة، ألم تجد مدينة وجدة من أبنائها البررة من يدعو إلى وحدة الكلمة ورص الصفوف لصالح المدينة وسكانها، ألم يحن الوقت بعد لينطق المجلس الجماعي لوجدة بصوت الحكمة ومصالح الناخبين الذين تشرئب أعناقهم إلى تغليب مصالح المدينة على غيرها من المصالح؟. إن العمل السياسي حق مشروع لكل مواطن و المشاركة في المحطات الانتخابية وسيلة بناء ديمقراطي وطريقة ناجعة في المفهوم التشاركي الهادف، وهو عنصر من أهم عناصر التدبير الجماعي السليم وهو نور يضئ الطريق لكل من يسعى لتحقيق هدف أو رسالة.. وحين يتحول هذا العمل إلى بذاءات وشتائم وتحريف لاختيارات المواطن فهو يفقد كل مقوماته. إن للمواطنين مطالب وللشارع احتياجات وعلى السياسي أن يكون صوتا للمواطنين وليس سيفا مسلطا على رقاب انتظاراته ومصالحه، أو صوتا لجهة مغامرة تبحث عن مصالحها وتستأجر بنفوذها من يتولى هذه المهمة.. فهل من مصلحة وجدة أن يتحول العمل السياسي إلى صخب مجنون وان تكون رسالة الأحزاب هي تصفية الحسابات وتشويه صورة العمل الانتخابي وادعاء البطولات الكاذبة..إذا كان هناك سياسي يبنى ويعلم ويوجه وينير الطريق فهناك أيضا سياسي وصولي يشوه الحقائق ويلهث وراء المصالح ويدفع بالمواطن اللبيب إلى اليأس والقنوط.
في اعتقادي أن البوح بحب المدينة وحده لا يجيز ارتكاب الحماقات في حق المدينة، فلطالما سمعنا لخطابات ومرافعات سياسية تتغنى بحب المدينة وتستذكر تاريخها المشرق وتبكي أطلالها وما ضاع من ذاكرتها، ومع ذلك بعد وصول أصحابها إلى مراكز التسيير لم يفلحوا في تقديم أي إضافة للمدينة بل كرسوا أشكالا من التخلف والتهميش، واغتنوا بطرق ملتوية وساهموا في التشويه العمراني للمدينة. إن أقسى اللحظات ضراوة في تاريخ البشر هي غياب الصدق والضمير الحي والمحاسبة الذاتية،.ولكن الذين عرفوا صحوة الضمير وصدق المشاعر لا يعرفون أساليب التضليل والغش والمزايدات على مصالح المواطنين ومصالح تجمعاتهم ..
يبدو أن بيننا وبين الديمقراطية مسافة طويلة، هذا الحلم الذي طاردنا كل سنوات عمرنا، وأصبح مجرد سراب كلما اقتربنا منه تسرب من بين أيدينا.. من يشاهد الآن المشهد الانتخابي فى المغرب لا يصدق أن هذا الشارع المرتبك قد شهد صدور دستور رائع فى عام2011، وان هذا المدينة شهدت ممثلين للسكان في وقت مضى، من طراز رفيع، وان هذه البلدية التي نقف الآن أمامها حائرين قد عرفت أيام كانت الأحزاب الوطنية تؤطر وتكون مناضليها ومنتخبيها، ميلاد مشاريع وإصدار قرارات كانت ولا تزال مضرب المثل في نكران الذات وحب المدينة.
إن الأزمة الحقيقية أننا نسينا الماضي الذي كان فيه نوع من الأمل، وطغى علينا الوضع البئيس لتسيير المدينة والشيخوخة التي أصابتها في منتصف الطريق، وصغرت أمامنا كل الأشياء. هذه الربوع التي أخرجت كل هذه الأشجار العتيقة تضج الآن بالحشائش التي تسلقت على كل شيء.
إن الحيرة التي تعيشها السلطة وحالة الفوضى التي يعيشها الشارع، وهذه الأشباح التي تأتي بها الانتخابات تؤكد أن بيننا وبين الديمقراطية الحقيقية رحلة سفر طويلة، وان على أجيالنا التي تعبت من السفر وراء هذا الحلم أن تستريح قليلا وتستبدل هذا الحلم المكابر بأحلام صغيرة تتوافر فيها وسائل الحياة الكريمة سكنا ومعاشا وتعليما حتى تخرج من ظهورنا يوما أجيال تدرك قيمة الفكر والرأي والحوار.
إذا كنا بالفعل جادين في حلمنا بمدينة ترقى إلى المدن المغربية الكبرى، وكنا جادين في مطالبنا بالديمقراطية، فهل هي ديمقراطية وأد الكفاءات، أم نهب المال العام والكذب على المواطن، أم هي ديمقراطية الإقالات والصراخ ووضع العصا في عجلة التنمية المحلية والوطنية، أنا لا أتصور أن يكون الحل أن نفتح الأبواب لهذه الفوضى ولبعض الوجوه التي لم تجن منها المدينة سوى خيبات الأمل.
إن العمل الجماعي مسؤولية وطنية وإدارية وأيضا أخلاقية.. لهذا ينبغي أن تكون هذه التجربة البئيسة التي يمر منها مجلس بلدية وجدة درسا لكل منتخب كي يراجع تصرفاته أمام الرأي العام لأن ذاكرة المدينة لا ترحم أحدا، وبقدر ما يحاول المنتخب الابتعاد عن اهتمامات المواطنين وتطلعاتهم، بقدر ما يكون عرضة للانتقاد والانتقام خصوصا بعد تورطه في جرائم جديدة تمس الشرف والأخلاق. كثيرا ما نفهم الأشياء بما يرضينا ونتجاهل حقيقتها، والحقيقة المؤكدة أن الإنسان مجموعة من القيم وليس مجرد أنانيات ومصالح ذاتية أو حزبية ضيقة، وأنه حين تصبح الغربان في صدارة الموكب وتختفي أسراب العصافير لا بد أن يراجع الإنسان نفسه ويسأل لماذا رحلت العصافير.. والعصافير حتما لن تعود إلا بعد رحيل الغربان.